قصة الابتسامة الأخيرة

منذ #قصص اجتماعية

ريحان طفل بائس ، لم يشاهده أحدهم يبتسم أو يضحك من قبل ، ولكنه في نفس الوقت شديد الذكاء يستطيع القيام بحل ، العديد من المعادلات الرياضية العسيرة في لحظات معدودة ، حتى أن زملاءه قد ظنوا أنه يدعي البؤس ، بالطبع طفل مثل هذا لم يحظ بالأصدقاء مثل غيره

فالمسكين كان يخرج من المدرسة ركضًا ، حتى يصل إلى المطعم الذي يعمل به كنادل ، لقاء أربعين ليرة يسد بها رمقه ، كل يوم ولم يكن يعرف المصروف الذي يأت به الطلاب كل يوم ، وعندما يأتي وقت الراحة يجلس منزويًا وحيدًا ، لا أصدقاء له

وفي أحد الأيام ذهب إليه ، طفلين ممن يدرسون معه ، وطلبوا منه أن يكونوا أصدقاء له ، فاندهش ريحان وسألهما أحقًا ما يطلبون ؟ فأجاباه أن نعم ، هم يرونه أفضل منهم ، وأكثر تفوقًا وذكاء ، ويرغبون في مصادقته ، نظرًا لأنه متواضع ولا يؤذ أحدًا ، أجابهم ريحان ببؤس شديد أن الجميع ، يظنونه ساحرًا فلماذا يتخذان هما تلك الخطوة ، ضحك الصديقين وكانا يدعوان محب ومحمد ، وأجابه محب أهناك ساحرًا بهذا البؤس ، لم يبتسم ريحان وأجابه عندك الحق كله

بدأت صداقة محب ومحمد إلى ريحان ، تتزايد يومًا بعد الآخر وكان هو يستكشف العالم من جديد ، على الرغم من السر الكبير الذي لم يتفوه به ، فعندما سأله صديقيه عن والديه ، نظر لهما ريحان نظرة خاوية ولم يجبهما ، فقط اكتفى بالصمت

عاد ريحان ركضًا من المدرسة ، فالطريق من المدرسة وحتى مكان عمله ، يستغرق ساعة والمسكين ، يعود ويأتي سيرًا على الأقدام ، وفي هذا اليوم شعر ريحان بالعطش الشديد ، نتيجة الركض المستمر فتوقف ليبتاع مياه ، وما أن بدأ الشراب حتى وقف إلى جواره ، كلبًا شديد العطش ، فلم يجد ريحان ما يسقيه بداخله ، فخلع حذائه وسقى الكلب ، ثم رمى فردة الحذاء الأخرى ، وانطلق ركضًا نحو عمله ، حتى لا يفقده ولا يجد مأوً له

ما أن شاهده المدير حتى صرخ في وجهه ، بسبب تأخره عن موعده وأنه أتى بلا حذاء أيضًا ، فاعتذر ريحان من الرجل ، فأخبره أن المطعم لديه ضيفًا مميزًا ، هو خبير في نظافة المطاعم وخدماتها ، ويرغب أن يحوز مطعمه على تقييم مرتفع ، وحذره ألا يخطئ ، حتى لا يلقيه في الشارع ، فانصاع له ريحان وأخبره أنه سوف يهتم بهذا الأمر ، ما أن جلس الضيف حتى أتاه ريحان مرتجفًا ليأخذ طلبه 

ثم ذهب إلى الداخل لإحضاره ، ولكن للأسف أسقط ريحان المياه على الرجل ، من شدة خوفه فغضب الرجل وصاح أنه هذا المكان هو الأسوأ على الإطلاق ، وكيف يدعون طفلاً يتعامل مع ضيف بمثل حجمه ، فلحقته نادلة شابة وطلبت منه أن يهدأ ، وسوف تخدمه هي بنفسها فأجابها أن لا وخرج مسرعًا ، بالطبع استشاط المدير غضبًا ، وطرد ريحان إلى الشارع ، فصار الصغير بلا عمل ولا يجد قوت يومه

ذهب ريحان إلى مدرسته ، والجوع يقرصه ويبدو عليه الشحوب ، فقابله صديقيه وما أن رأياه حتى انزعجا ، وقام محب بشراء وجبة طعام له ، أكلها ريحان وكأنه لم يأكل منذ أعوام خلت ، فطلب منه محب أن يذهبا برفقته إلى منزله ويبيتا لديه ، فوافقهما ريحان

منزل متواضع للغاية ، يقع في حارة جانبية في شارع فقير ، لم يكن بالمنزل سوى مرتبة صغيرة ، ينام عليها المسكين ، ونوافذ بلا زجاج تأتيه بالهواء ، من كل جانب دون دفء يذكر ، جلس الأصدقاء جميعًا وطلبوا من ريحان أن يروي لهم قصته ، وهم يأكلون الطعام الذي قاموا بشرائه ، وهم عائدون من المدرسة فوافق ريحان

أخبر ريحان صديقيه أنه يتيم الأبوين ، وعندما كان في السابعة من عمره ، عاش لدى عمه نظرًا لأنه تحت وصايته ، وكان ريحان قد ورث عن أبيه مطعمًا بأرباحه ، فاستولى عمه عليه وأرسله إلى دار للأيتام ، ليس له ترخيص حكومي

كانوا في الدار يجرون اختبارات الذكاء على الأيتام ، وكانوا يعاقبونهم إذا ما أخطئوا ، كثيرًا ما كانوا يطلبون منهم القيام بحل المعادلات الرياضية العسيرة ، ذهنيًا في دقائق معدودة ، ومن يخطئ منهم يتعرض لصنوف تعذيب عدة كقلع الأظافر أو الحرمان من الطعام والشراب لعدة أيام ، وعقب مرور ثلاثة أعوام من التعذيب ، هربت برفقة صديق لي ، يدعى صابر مع أربعة من الأولاد الآخرين

ولكن تم الإمساك بهم جميعًا ، بينما اختبأنا أنا وصابر الذي رافقني ، حتى مطعم عمي الذي وافق على أن أعمل لديه ، في إرث أبي كنادل لقاء أربعين ليرة ، ودلني صابر على زوجين عجوزين ليس لديهما أبناء ، لأعيش برفقتهما في هذا المنزل ، ولكنهما توفيا عقب عامين ، وورثت هذا المنزل المتواضع لأنه ليس لديهما أحد ، بعدها مات صديقي صابر ، وصرت وحيدًا حتى أتيتما إليّ ، فربت صديقيه على كتفيه وناموا جميعًا

في صباح اليوم التالي ، نهض الصديقين ولكنهما لم يجدا ريحان ، فبدآ بالبحث عنه ، حتى خرجا إلى الشارع فلمحه محب ، وأخبر محمد أن ريحان على الصف الآخر ، وأشارا له أنهما قادما ، فابتسم ريحان للمرة الأولى ، كانت أول مرة يشاهد فيها الصديقين ابتسامة هذا المسكين ، والتي انتزعها سائق متهور فجأة انحرفت سيارته ، لتخطف ريحان وتلقي به غارقًا في دمائه ، في عرض الطريق

كانت الابتسامة الأولى والأخيرة ، مات ريحان بين يدي صديقيه ، بعد أن منحاه الشعور بالدفء والأمان ، وكانت تلك هي ابتسامته الأولى والأخيرة

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك