قصة مدينة الأحلام

منذ #قصص اجتماعية

فقط عندما تتوحد الأحلام ، وتتشابه تفاصيلها تصبح حقيقة ، وبكلمة سحرية  قوامها التمني والمناجاة الجماعية تلفظ البشرية جمعاء طلسم الوجود ، فينشق البحر رغم أنفه ، ويتمخض بقوة ، ويدفع من أحشائه الراكدة ومن زبده المستلقي في هشاشته مدينة الأحلام التي تتهادى على صفحاته ، وتستقر في بقعة ضوئية يكسوها ضوء القمر الصيفي بوافر نوره

ليلة أحلامنا :
كانت ليلة لا تختلف عن أي ليلة من تلك الليالي ، التي عرفتها البشرية عبر تاريخها المديد الغابر ، إلا أن البشرية في تلك الليلة ، وفي لحظة واحدة وبفم واحد ينقسم بين مليارات الأفواه والقلوب والأمنيات والأعراق والألوان التي تمنت أن تحقق أحلامها ، تمنت أن تصدف أمانيها أمامها تمامًا ، لتذوق طعم ذلك البعيد الذي باتت تتحرق إليه ، وتصبو إلى ضمه ، وتعلق السعادة على وجوده وتسميها أحلامنا !!مدينة الأحلام :
عندما برزت مدينة الأحلام إلى حيز الوجود المدرك ، اختلفت نواميس الطبيعة ، ودبت الفوضى في النظام الكوني ، كثير من الكواكب غادرت مكانها ، بعض البحار غارت في قلب الأرض ، وجبال أخرى برزت حيث لا يجب أن تكون ، تقاربت مسافات الأرض ، وانكمش أديمها ، وبات الكون يتخلص في مدينة الأحلام والبشر الذي يتدافعون نحو هذه المدينة ، التي نودي في الأرض إنّه آن لهم أن يدخلوا إلى هذه المدينة

التي تحوي أحلامهم ، بعد أن فكوا جميعًا وبلسان واحد طلسم بوابتها التي ستفتح لهم لأول مرة منذ الخليقة ، ليحصلوا على أحلامهم وليغادروها آمنين ، وقد نالوا رغبتهم الأزلية ، أي أحلامهم

نالت البشرية حلمها الأرضي :
في البدء لم يصدق البشر نداء السماء ، وشعروا بتوجس وريبة ، بعض المحبطين والشجعان ورجال الاستخبارات دخلوا تلك المدينة على مضض ، كان الكل مدججًا بالخوف والطمع ، في تلك المدينة كانت الأحلام ، تنتشر في كل مكان ، منضدة في رخاوة محار الأصداف ، كم كانت الأحلام جميلة ودافئة ولها بريق مائي  وطعم حلو وملمس حنون !!كل حلم كان ينتظر صاحبه ، وكانت الطرق تتداخل وتتباعد وتتقارب ، لتوصل ضيف المدينة بكل يسر إلى حلمه ، خرج الرواد الأوائل مبتهجين ، يحملون أحلامهم ، بعض منهم حملته أحلامه ، إذن فقد نالت البشرية حلمها الأرضي ، ردد البشر تلك الجملة المغمورة في أكسيد السعادة ، وبكل اللهجات والنبرات والأصوات ، وتدافع البشر إلى مدينة الأحلام ، كانت المدينة صغيرة بأسوار بلورية ، وقبة شفافة تتراءى السماء والقمر والنجوم أعلاها ، ولكنها كانت تتسع للبشر أجمعين

كما اتسعت طوال وجودها السري لأحلامهم ، وإن ابتلعتها دهرًا طويلاً ، وقلما لفظت شيئًا منها مكرهه غالبًا ، راضية نادرًا ، كان البقاء فيها رائع ، كانت تشبه مزقة من الفردوس الذي سمعوا عنه طويلاً في كتبهم ومن أنبيائهم ، لكن فرحة لقاء الأحلام كانت أعظم وأبلغ أثرًا ، وأدعي لهم بالخروج بها من الحياة

زمن الأحلام :
خرج البشر من المدينة الحالمة ، كل يحمل على عاتقه ، حلمه المحفوظ في طاقة من زبد البحر ، كانوا يشعرون أنّ للحياة طعمًا آخر ، ومن تلك اللحظة بدأ تاريخ جديد للبشرية ، بعض المؤرخين أسماه زمن الأحلام ، وبدأت الأيام تحصى من ذلك اليوم .. في زمن قليل كان البشر قد تقاسموا أحرمهم ، وهجروا مدينة الأحلام ، التي بدت خالية من البشر ، ولكنها لا تزال تمور بالأحلام التي تتجدد ، ولا تعرف نهاية كما لا تعرف بداية

ماذا بعد :
بعض البشر عادوا من جديد وبحثوا عن أحلام جديدة ، وحصلوا عليها مرة ثالثة ورابعة ، بعضهم بدّل حلمه في طريق العودة ، وعاد من جديد يبحث عن حلم آخر ، وبقيت المدينة كريمة لا تبخل على أحد بدخولها ، ولا تضّن على إنسان بحلمه ، في البداية غمرت السعادة البشرية التي لطالما تنفست المدينة زفير راحتهم وطمأنينتهم ورضاهم ، وردّدت رجع صدى أحلامهم … لكن ماذا بعد ؟مدينة تحط الأحلام والتمنيات :
لم يعد تحقيق المستحيل ، ولا تجديده بممنوع ، ولا استبداله بمرفوض ، كل شيء كان موجودًا حتى المستحيل ، لم يعد هناك معنى للحياة ، ولا للزمن ولا للعمل ، بل لم يعد هناك معنى للوجود ، وغرق الزمن في رتابة لم يعرف لها مثيل ، ولا لسلطانها حدود وغدا حلم البشرية أن تجد حلمًا لا يتحقق

لكي تلهث وراؤه باشتهاء ، وأخيرًا شعر البشر أن مدينة الأحلام قد حطّمت أحلامهم ، وحرمتهم من متعة ممارسة التمني ، ومن دبيب سعادة الجري وراء الأحلام ، وفي صوت واحد ومن جديد تمنى البشر أن تختفي مدينة الأحلام

الأمنيات تتحقق مرة واحدة فحسب :
ومن جديد فكت البشرية طلسم الوجود ، وابتلع البحر على هوادة مدينته السحرية ، وغاب القمر عن صفحته اللامعة ، كان البشر يشهدون اختفاء المدينة ، لكنهم اكتشفوا لاحقًا انهم لا يزالوا محبوسين مع أحلامهم ، غابت مدينة الأحلام ، وخلّفت الأحلام خلفها

كان لأحلامهم سحن لم يلحظوها من قبل طاردتهم طويلاً وأرهقت أجسادهم ، وعذّبت أرواحهم ، عرفوا أن الأحلام تغدو كوابيس بشعة ان حبس الانسان معها ، وأصبح عبدًا لها ، ومرة أخرى تمنوا من جديد ليردوا إليها كل الأحلام والأمنيات ، ولكن البحر صمّ أذنيه عن أمنيتهم ، ولم يسمعوا داعي السماء ، وأدركوا متأخرين أن الأمنيات تتحقق مرة واحدة وحسب

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك