قصة خيوط الدخان

منذ #قصص اجتماعية

بغتة أحس السيد ميم ، بصعوبة في التنفس ، ولما فتح عينيه وسط ظلام دامس ، أدرك بأن صعوبة التنفس نفسها هي التي أيقظته من نومه ، ولا يدري لماذا باغته شعور ظلامي بأنه في قبر !شعور بالموت :
نظر إلى النواصة ، رآها مطفأة ، وهذا ما عزز الشعور بالموت لديه ، ومن ناحية أخرى ، عندما صوب عينيه أسفل الباب المحكم عله يرى نورا ، أحس بخيط من الدخان يتسرب من الأسفل إلى المكان المظلم ، الذي يحتوي جسده الذي بات يرتعش تحت لحاف غدا عليه بثقل جبل

خيوط دخان :
تمتم السيد ميم ، بكلمات وكأنها الأخيرة التي يتمتمها لنفسه : هاهو الدخان الأسود يزحف إليك ، يتحلق كحبل مشنقة حول رقبتك ، وأنت لا تستطيع فكاكا منه ، تعجز من إبداء أي حركة في مواجهته

إنك ميت :
وأمام هذا التوبيخ الداخلي ، الذي وجهته نفسه إليه أراد أن يبدي حركة ولو صغيرة ، علها تشجعه للنهوض ، والتقدم نحو الباب لفتحه ، بيد أنه فشل في أي محاولة للتحرك ، فعادت نفسخ تخاطب بذات النبرة : إنك ميت .. فقط الميت هو الذي لا يقدر على حمل جسده .. ها هو الذي ظللت طوال عمرك تتهرب منه ، يقتحمك ويحيلك إلى كائن عديم الحراك ، وبعد قليل يحيل جسدك إلى جثة متفسخة وكأنك لم تكن ، كأنك لم تعش

فقدت كل شيء :
كم من الأصدقاء لديك ، كم من الشوارع التي تمضي فيها ،كم من الطقوس اليوميه التي تقوم بها ، سيغدو كل ذلك صورة من الماضي الذي لا يعود ، لقد فقدت كل شيء ، فقدت حياتك كلها ، لم تكن تصدق أن الموت حقيقة يواجهها الإنسان ، لم يكن أي موت بوسعه أن يقنعك بموت الإنسان موتا كليًا ، واختفاؤه من الحياة الحافلة التي يعيشها

لست ميتًا :
إنهم يذهبون إلى أماكن أخرى ، يعيشون الحياة بكل دفقاتها ، هذه الحياة التي لا تنطفئ في الإنسان أينما حل ، اكتظت الحجرة بالدخان ورأى في لحظات أن الاختفاء الحقيقي هو جموده في الفراش مستسلمًا للدخان ، وبالكاد خرجت من فيه ، عبارة متلعثمة : لكنني لست ميتًا ، عندما تناهى إليه صوته ، وأحس أن الصوت اخترق الظلام والدخان معًا ، تأكد بأنه ليس ميتًا

الظلام والدخان يتعانقان :
فأطلق قهقهات مجلجلة لا متناهية ، أحس على إثرها بقوة هائلة تجتاحه ، نهض من الفراش يواجه الدخان والظلام ومد يده على زر الضوء ، فامتلأت الغرفة نورا ، رأى الظلام والدخان يتعانقان ويخرجان بجبن من تحت الباب ، واصل قهقهاته المجلجلة التي ملأت نفسه بالنشوة من جديد ، ثم ارتدى ثياب الخروج وفتح الباب ، رأى الجيران يتحلقون حول بابه ينظرون إليه بنظرات غريبة

الطرقات تحت قناديل الليل :
أدرك للتو بأن قهقهاته المجلجلة تلك التي أخرجتهم من بيوتهم ، ألقى نظرة سريعة إلى ساعته رآها تشير إلى الواحدة ليلًا ، في تلك اللحظات أحس برغبة جامحة في أن يمضي في الطرقات تحت قناديل الليل ، أقفل الباب خلفه ، ومضى يهبط الدرج غير آبه بالنظرات التي تركها خلفه

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك