قصة وطن العصافير المحبطة

منذ #قصص اجتماعية

كل إنسان تعجزون عن تعليمه الطيران ، علموه على الأقل أن يسرع بالسقوط .. فريديريك نتشيه

الطفل وأسراب العصافير :
زحف بكرسيه المتحرك على سطح العمارة ، صوب الطفل الذي يرقب أسراب العصافير المتزحلقة على زرقة السماء ، ثم ربت بكفه الباردة على دفء الذراع الصغيرة هامسا : تذكريني كثيرا بأخيك عباس ..عباس والعصافير :
تنهد الصغير ، ثم : أكان عباس يعشق العصافير أيضا ؟ أجاب : حتى الجنون ، صمت الرجل المقعد قليلًا ثم أضاف : كان يقضي معظم أوقاته في مكانك هذا ، وحيدا يرقب صفاء السماء ويتابع رقص العصافير ، وهي تعلو وتبتعد وحين لاحظ إصغاء الطفل استرسل : كان مغرمًا حد الهوس بالعصافير ، سألني مرة عن لغة تواصلها ، فلقت أنها تغني وتزقزق ، وكم أعجبته الفكرة !هجرة العصافير وغذائها :
فقد صرخ : كم هو رائع يا أبي ، الغناء عوض عن الكلام ! .. ثم بحماس زائد : والغذاء ؟! .. أجبته بأن العصافير ، لا تعرف مشاكل غذاء : هي تقات في أي وقت شاءت ومن أي حقل في الدنيا لأن العالم يصبح أصغر ، وفي المتناول حين نطير ،  ولذلك فهي تختار أماكن إقامتها ، ومنها ما يختار الحياة فقط ، في الفصول الجميلة مهاجرًا من شمال الدنيا إلى جنوبها ، بحثا عن الشمس والغذاء ..من أول الزمان :
لكن عباس فاجأني ذات مرة : هل يمكنني أن أطير ، يا أبي ؟… نفيت ، الأجداد فوتوا علينا فرصة الطيران ، لكنه كان يحتج بانفعال بالغ : مالي والأجداد ، يا أبي ؟ أنا أسأل نفسي .. وأضطر لأعقلن الأمر : كان على الأجداد أن يجربوا الطيران من أول الزمان ، حتى يكتسبوا أجنحة وينقلوا لنا قدرتهم على التحليق ولكنهم لم يفعلوا

وطن العصافير المحبطة :
ولذلك نحن الآن على الأرض ، بلا أجنحة .. سألصق ريشا على ذراعي وأطير.. أجبته بأن الأجنحة لا تلصق ، الأجنحة مثل ملامح الوجه ، تورث ! أنا لن أبقى مسمرا هنا ، أنا أريد أن أطير .. لن أطير .. سأطير .. لقد جربت قبله ما كان هو بصدد التفكير فيه ، أنا أيضا كنت طفلا مثله وحاولت الطيران من حافة هذا السطح غير مبال بحشد الجيران في الشارع تحتي ، ممسكين بالملاءات من أطرافها ، وهم يناشدونني ألا أنتحر : لا تنتحر ، لن يبقى عندك دنيا ، ولا آخرة !..أنا لا أطير أنا أزحف :
لا أريد أن أنتحر ، أنا أريد أن أطير ! ..لكنني ارتميت من حيث تقف الآن ، إنما عوض أن أطير ، سقطت عليهم بقوة حتى تمزقت الملاءات التي كانوا ينشرونها لي فارتطمت بصلابة الأرض ، وتكسرت ساقاي ، والنتيجة أمامك : أنا لا أطير ، أنا أزحف .. لكن عباس ، أخاك ، ازداد ولعًا بحياة العصافير ، ونسلها وتغريدها إلى أن وجدت نفسي مرة أزحف بكرسي المتحرك لأطل على الشارع ، أسفل العمارة ، حيث احتشد الجيران لتضميد الجمجمة المشطورة للذي حاول الطيران ، تهوراً .!لا تخف :
سحب الأب المقعد كفه الباردة عن ذراع الصغير ، لاستخلاص العبرة من تجرية ، لكن الطفل سبقه ، ووجهه دائما إلى الأفق البعيد : لا تخف ، يا أبي ، لن أفعل مثلك ولا مثل عباس .. ثم جزما : سأطير ، يا أبي وسأنجح في ذلك

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك