قصة لسعة الذاكرة

منذ #قصص اجتماعية

ليست الأعالي ما يخيف بل الأعماق ، فعلى الجرف تحدق العين في الهاوية ، وتمتد إليه نحو الذرى فيقبض الدوار بالإرادتين على القلب .. فريديريك نتشيه

الطفلة والخادمة :
دادة زهرة !.. لعل هذا هو أحب نداء إلى قلب هذه الطفلة ، التي تنتظر بفارغ الصبر وقت عجين الخبز كي تجالس من تحب ، خادمة عجوز ينتشر الوشم على أعلى جبينها حتى يختفي تحت صدر قفطانها المتهرئ ليطل ثانية على ساعديها المكبلتين بدمالج معدنية رخيصة

لسعة الغلاي :
هكذا تلتصق الصغيرة بجسد الخادمة فيسري إليها انقباض عضلات العجوز عند ذلك العجين أو رجوفها عند لسعة الغلاي الساخن لإحدى ساقيها العاريتين : أوه ، هل أحسست بارتعاشتي ؟.. ثم : ماذا ، يا بنيتي ، مجرد لسعة غلاي أصبحت تؤلمني .. ! هي تؤلم أي كان ، يا دادة ، لا يا ابنتي ، ليس أي كان

لسعة ذكريات :
ثم تشرد الخادمة العجوز في ذكريات ، بعيدة تقارن خلالها اللسعات : لسعة كهذه ، يا ابنتي لم أكن أعيرها أدني اهتمام أيام شبابي ، ربما كانت صفائح أقدامنا غريبة عنا ، فقد كنا نرقص على أرض لافحة في أعراس الأعيان دون أن تعلو محياها إيماءة ألم .. ولماذا كنتي تفضلين الرقص على الأرض الساخنة يا دادة ؟أجابت الخادمة : لم يكن خيار بين أيدينا ، كان ذاك قدرنا ، نحن النساء ، فالرجال كانوا يحرقون الأعشاب على ساحة العرس ، ثم يكنسون بعد ذلك ماترمد وتفحم من الحطب أو الأعشاب ليدفعوا للرقص على حرارة المكان ، حتى إذا حاولنا الهرب من لهيب المرقص ، أو الاحتماء بطوق المتفرجين ، صدونا هكذا اكتسبنا مع توالي الأعراس ، تقنيات الرشاقة وحماس الرقص

جلد القدم وموت الإحساس :
وتصيح الطفلة بافتخار ببطولة أعز امرأة : أنت عفريتة يا دادة ، مادمت لم تتركي جلود قدميك هناك ! .. بأسى : لا ، با بنيتي ، ففي البداية انتفخت قدماي ومرضت وتعفنت ، داويتها بالأعشاب حتى شفيت ، لكنني لم أعد أشعر منذئذ بأي أذى تحت قدمي ، لا الزجاج ولا المسامير ، ولا حتى النار ، لقد مات جلد قدمي ومات معها الإحساس بلهيب المرقص ، آنذاك بدأت أرقص بهدوء ، ثم بخمول ، ثم استغنى عني ..عذرية الوجه والجسد :
الطفلة غير راضية ، قالت : ولم قبلت الرقص بينهم منذ البداية ؟ أجابت : وماذا كان بإمكاني أن أفعل ؟ لقد اختطفت لذاك الغرض ، الطفلة مندهشة : لكنك كبيرة ، يا دادة فكيف تخطفين؟ أجابت : الكبيرات مثل الصغيرات ، لم ينج من الاختطاف إلا من خاف عليها آباؤها فوشموا لها وجهها وأطرافها لأن مختطفي النساء يفضلون عذرية الوجه والجسد

عالم متصلب وأيادي ناعمة :
قالت الطفلة محتجة : ولم لم تهربي إذا ؟ لم لم تصرخي ؟ كانوا كثيرين حين باغثوني في سن الرابعة عشر وأنا ألعب الحبل قرب باب بيتنا ، فكتموا صوتي ، وعصبوا عيني وقيدوا معصمي ، وحين فكوا وثاقي وجدت نفسي في مكان غريب بين رجال وقحين ، يطلبون أي شيء ويأخذونه ..انتبهت العجوز أخيرًا ، أنها تخاطب طفلة صغيرة ، فتكلفت ابتسامة لصرفها ، ثم حاولت الانشغال عن أسئلة الطفلة ، بدلك العجين : تقلبها وتقلبها باضطراب ، تخبطها على القصعة ، وتدلكها بعنف بالغ لتخفي توترها ، تخبط وتدلك في محاولة لتليين عالم متصلب لا يطاوع الأيدي الناعمة

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك