رواية 1984 لجورج أورويل : القسم الخامس والثلاثون


ولم یحدث أبداً أن أقدمت أي من الدول العظمى الثلاث على الدخول في مغامرة عسكریة قد تجلب علیها هزیمة ماحقة. وحینما تُشن أي عملیات حربیة واسعة النطاق فإن ذلك لا یأتي إلا على شكل هجمات مباغتة تشن ضد الدولة الحلیفة، فالاستراتیجیة التي تتبعها القوى الثلاث أو تدعي أنها تتبعها واحدة.
إذ ترتكز الخطة على مزیج من القتال والمساومة لشن ضربات غادرة في الوقت المناسب من أجل السیطرة على مجموعة من القواعد الاستراتیجیة التي تحیط بواحدة أو أخرى من الدولتین المتنافستین، ثم توقیع معاهدة صداقة مع تلك الدولة والالتزام بالسلام معها لسنوات عدیدة تكفي لإزالة ما لدیها من شك وریبة. وخلال هذه السنوات یتم تحمیل الصواریخ بالرؤوس النوویة وتوجیهها نحو جمیع القواعد الاستراتیجیة حتى إذا ما سنحت الفرصة المنتظرة یتم إطلاقها جمیعاً في آن واحد بحیث تترك آثاراً تدمیریة هائلة تجعل الرد الانتقامي أمراً مستحیلاً، وبُعید ذلك یحین الوقت لعقد معاهدة صداقة مع الدولة الأخرى استعداداً لشن هجوم مماثل علیها. ولسنا في حاجة للقول بأن هذا المخطط ما هو إلا حلم یقظة یتعذر تحقیقه على أرض الواقع، ناهیك عن أن القتال لم یكن یقع إلا في المناطق المتنازع علیها حول خط الاستواء والقطب: ولم تجرؤ أي من الدول الثلاث على غزو أراضي الدولتین الأخریین. وهذا ما یفسر لنا السبب في أن الحدود بین الدول العظمى تكون في بعض الأماكن عشوائیة تعسفیة، فأوراسیا على سبیل المثال تستطیع بسهولة غزو الجزر البریطانیة التي تعتبر جغرافیاً جزءاً من أوروبا، كما أن أوقیانیا تستطیع من ناحیة أخرى زحزحة حدودها ناحیة نهر الراین أو حتى الفستولا.

بید أن مثل هذا العمل سیعتبر انتهاكاً للمبدأ الذي تسیر علیه جمیع الأطراف، وإن كان مبدأً غیر مكتوب، وهو مبدأ الوحدة الثقافیة. وإذا فرضنا أن أوقیانیا قد استولت على تلك المناطق التي كانت تُعرف في وقت من الأوقات بفرنسا وألمانیا، لاستوجب ذلك منها إما أن تبید سكان هذه المناطق، وهي مهمة تعترضها صعاب جمة، أو أن تستوعب هؤلاء السكان البالغ تعدادهم مائة ملیون نسمة والذین یقفون في نفس مستوى التطور التقني تقریباً، وهذه هي المشكلة التي تواجه الدول العظمى الثلاث.

ومن الضروري للغایة بالنسبة لهذه الدول ألا یوجد أي اتصال ما بین سكانها وبین الأجانب، فیما عدا، وإلى حد معین، أسرى الحرب والعبید الملونین، ولم تكن حتى الدولة الحلیف الرسمي في اللحظة الراهنة، تنجو من نظرة الشك والریبة القاتمتین. وباستثناء أسرى الحرب فإن المواطن العادي من مواطني أوقیانیا لا یرى مطلقاً أیاً من مواطني أوراسیا أو إیستاسیا، كما یحظر علیه تعلّم اللغات الأجنبیة،

فلو أنه سمح له بالاتصال بالأجانب لتبین له أنهم مخلوقات بشریة مثله وأن معظم ما قیل له عنهم لا یعدو كونه أكاذیب وافتراءات. وحینئذ ینكسر طوق العالم المغلق الذي یعیش فیه، ویتبدد جو الخوف والكراهیة والتعصب للذات وهي ما ترتكز علیها روحه المعنویة، ولذلك اتفقت الأطراف الثلاثة على أنه مهما تناوبت القوى بلاداً مثل إیران أو مصر أو جاوة أو سیلان، فإن الحدود الرئیسیة یجب ألا یخترقها شيء غیر القنابل.
لكن وراء كل هذا تكمن حقیقة لم لیجهر بها أحد وإن كانت مفهومة ضمناً ویُعمل بموجبها:

وهي أن ظروف الحیاة في الدول العظمى الثلاث متشابهة إلى حد كبیر، ففي أوقیانیا تسمى الفلسفة السائدة «الاشتراكیة الإنجلیزیة»، وفي أوراسیا تسمى «البلشفیة الجدیدة»، وفي إیستاسیا تسمى باسم صیني یترجم عادة بمعنى «عبادة الموت»، وربما كان من الأفضل ترجمته بعبارة «محو الذات»، ومن غیر المسموح به لمواطني أوقیانیا أن یعرفوا أي شيء عن عقائد الفلسفتین الأخریین، غیر أنهم یلقنون أن هاتین الفلسفتین لیستا إلا عدواناً وحشیاً على الأخلاق والذوق العام. والواقع أن هذه الفلسفات الثلاث تتمایز نظریاً فقط أما النظم الاجتماعیة القائمة علیها فهي متماثلة لا یمكن التمییز بینها على الإطلاق، ففي كل منها یوجد البناء الهرمي ذاته وعبادة الزعیم الملهم والاقتصاد الذي یقوم على الحرب ومن أجل الحرب. ومن ثم یتبین أن الدول العظمى الثلاث لا تستطیع أن تقهر بعضها بعضاً فحسب، وإنما إن فعلت ذلك فلن تجني أي نتیجة أو ربح.

بل بالعكس فما دامت هذه الدول في حالة صراع، فإن بعضها یشد إزر بعض مثل ثلاث حزم من القمح، وكما هي العادة فإن الفئات الحاكمة في كل من القوى الثلاث تدرك ولا تدرك في الوقت نفسه، حقیقة ما تفعله، فحیاتهم مكرسة للاستیلاء على العالم، لكن هؤلاء یعلمون أیضاً أن من الضروري أن یظل أوار الحرب مشتعلاً إلى أجل غیر مسمى دون أن تضع أوزارها ودون أن تحرز إحدى الدول نصراً على دولة أخرى.

وفي الوقت ذاته وبما أنه لیس ثمة خطر من استیلاء دولة على أخرى، فإنه یمكن إنكار وجود أیة حقیقة وهو عین ما ترتكز علیه النظم الفكریة للاشتراكیة الإنجلیزیة وغریمتیها الأخریین. وهنا یتعین علینا أن نكرر ما قلناه آنفاً من أن الحرب بعدما أصبحت مستمرة، فقد طرأت علیها تغیرات جوهریة.
ففي العصور الماضیة كانت الحرب حدثاً لا بد أن ینتهي إن عاجلا ًأو آجلاً وبنصر حاسم أو بهزیمة واندحار، وكانت الحرب إحدى القنوات الرئیسیة التي تظل المجتمعات الإنسانیة من خلالها على صلة بالواقع الخارجي. وفي جمیع العصور كان الحكام یسعون إلى فرض رویة زائفة عن العالم على رعایاهم، إلا أنهم لم یشجعوا أیة أوهام یمكن أن تضعف الكفاءة العسكریة.

وما دامت الهزیمة تعني فقدان الاستقلال أو تفضي إلى نتیجة غیر مرغوب فیها، فیجب الاحتراز احترازاً جدیاً من الوقوع في شراك الهزیمة. ومن الثابت أن الحقائق المادیة لا یمكن تجاهلها، ففي الفلسفة أو الدین أو علم الأخلاق أو علم السیاسة یمكن أن یكون حاصل اثنین واثنین هو خمسة ولكن حینما یتعلق الأمر بتصمیم مدفع أو طائرة فلا بد أن یكنون حاصل اثنین واثنین أربعة.

ولقد كانت الأمم التي تفتقر إلى الكفاءة دائماً تلحق بها الهزیمة إن عاجلا ً أو آجلاً وكان النضال لبلوغ هذه الكفاءة غایة تتعارض مع وجود الأوهام. و فضلاً عن ذلك، فلكي تبلغ هذه الكفاءة من الضروري أن تكون قادراً على الاستفادة من الماضي والتعلم منه، وهذا یعني أن تكون لدیك فكرة دقیقة عما حدث في الماضي.

صحیح أن الصحف وكتب التاریخ عرضة للتحریف وتفتقد المصداقیة عبر التاریخ، إلا أن التزویر الذي یمارس الیوم كان یستحیل وقوعه في الماضي. فقد غدت الحرب ضماناً أكیداً للسلامة، وهي بالنسبة للفئات الحاكمة أهم الضمانات على الإطلاق. ولأن الحرب عرضة للخسارة والمكسب، فلا یمكن أن تظل فئة حاكمة في حل من أي مسؤولیة.
أما عندما تصبح الحرب سجالاً مستمراً، فإن خطورتها تنعدم، فاستمرار الحرب یقضي على ما یسمى بالضرورة الحربیة. ویمكن أن تتوقف عجلة التقدم التقني كما یمكن نكران أكثر الحقائق وضوحاً و تجاهلها.

وكما رأینا فإن الأبحاث التي یمكن نعتها بأنها علمیة ما زالت تجرى خدمة لأغراض الحرب وهي نوع من أحلام الیقظة، والإخفاق في تحقیق نتائجها لیس أمراً ذا أهمیة.

بل وحتى ما یسمى بالكفاءة العسكریة لم تعد الحاجة ماسة إلیها، ففي أوقیانیا لا یتصف بالكفاءة والفاعلیة غیر شرطة الفكر. ولما كان اندحار أي من الدول العظمى الثلاث أمراً عزیز المنال، فقد غدت كل دولة في واقع الأمر بمثابة عالم قائم بذاته یمكن أن ینمو فیه الفكر المشوه والفاسد في أمان.

وأما الواقع فإنه یمارس ضغوطاته من خلال متطلبات الحیاة الیومیة كالحاجة إلى المأكل والمشرب والمأوى والملبس، والحاجة إلى حفظ الحیاة عن طریق اجتناب ابتلاع السم أو القفز من النوافذ العالیة وما سابه ذلك من حاجات. وبین الحیاة والموت، وبین اللذة والألم، ما زالت هنالك فروقات، لكن هذه الفروقات هي كل شيء. إن حالة الانعزال عن العالم والقطیعة مع الماضي التي یعیشها المواطن في أوقیانیا تجعله أشبه ُبرجل معلق في الفضاء بین النجوم وقد سلب القدرة على تمییز الاتجاهات. أما الحكام في مثل هذه الدول فإنهم یتمتعون بسلطات مطلقة لم یبلغها أكثر الفراعنة أو القیاصرة استبداداً. وهم وإن كانوا یسعون مضطرین إلى الحیلولة دون موت رعایاهم بأعداد كبیرة تندر بالخطر، كما أنهم مضطرین إلى البقاء على المستوى نفسه من التقنیة العسكریة لمنافسیهم، فإنهم ما إن یبلغوا الحد الأدنى من أهدافهم حتى یشرعوا في ليعنق الحقیقة وصوغها في القالب الذي یشاؤونه.

لذلك فإن الحرب، إذا ما قیست بمعاییر الحروب القدیمة، هي مجرد خداع ودجل، بل هي أشبه بالمعارك التي تنشب بین حیوانین من الحیوانات المجترة تأخذ قرونهما أثناء نطاحهما زاویة تجعل واحدهما عاجزاً عن إلحاق الأذى بالآخر.

لكن بالرغم من هذا الزیف فإنها لیست خلواً من المغزى، فهي تلتهم الفائض من السلع الاستهلاكیة كما تسهم في الحفاظ على المناخ الفكري الخاص الذي یحتاج إلیه المجتمع الطبقي. وكما سیتضع فیما بعد فإن الحرب قد أصبحت شعاناً داخلیاً محضاً، ففي الماضي كانت الفئات الحاكمة في جمیع الأقطار، ورغم إدراكهم لمصالحهم المشتركة ومن ثم سعیهم إلى تحجیم مدى الخراب الذي تسببه الحروب، یقاتل بعضهم بعضاً وكان الغالب دائماً ینهب المغلوب، أما في وقتنا الراهن فلم یعد الاقتتال ینشب بینهم مطلقاً، وإنما أصبحت كل فئة حاكمة تشن الحرب على رعایاها ولم یعد هدف الحرب هو الاستیلاء على الأراضي أو الحیلولة دون ذلك، وإنما الحفاظ صلى بنیة المجتمع سلیمة على ما هي علیه. ومن ثم فإن كلمة «الحرب» ذاتها باتت مضللة ولا تؤدي المعنى، وإذا شئنا الدقة یمكننا القول بأن الحرب لم تعد حرباً بعدما صارت إلیه من دیمومة واستمرار.

أما ذلك التأثیر الذي ظلت تمارسه على البشریة فیما بین العصر الحجري وأوائل القرن العشرین فقد تلاشى لیحل محله شيء مختلف تماماً، ولو أن الدول العظمى ًالثلاث كانت قد تواضعت، بدلا من التناحر فیما بینها، على العیش في ظل سلام دائم وحدود آمنة لا تتعرض لخروقات من هذه أو تلك لتحققت الغایة والمراد نفسیهما من حرب هذه الأیام، ففي هذه الحالة، كان كل طرف من الأطراف المتحاربة سیغدو عالماً مكتفیًا ًبذاته ومتحررا إلى الأبد من التأثیر القوي للأخطار الخارجیة، ولكان للسلام الحقیقي الدائم الأثر نفسه الذي تنتجه الحرب الدائمة. وهذا هو المعنى الحقیقي لشعار الحزب. الحرب هي السلام،
بالرغم من أن الأغلبیة الساحقة من أعضاء الحزب لا یفهمونه إلا فهماً سطحیًا.

وقد توقف ونستون عن القراءة حینما تناهى إلى سمعه دوي قذیفة صاروخیة أشبه بالرعد وقد سقطت في مكان بعید. بید أن شعور ونستون البهیج بأن الكتاب المحظور بین یدیه یؤنس وحدته وفي غرفة لا یوجد فیها شاشة رصد، ظل كما هو ولم یتأثر بذلك.

حیث امتزج لدیه الإحساس بالعزلة والأمان، وهي إحساسات جسدیة، مع التعب الذي أصاب جسمه النحیل ونعومة الكرسي الذي یجلس علیه والنسیم الخفیف القادم من النافذة الذي كان یداعب وجنتیه. وأما الكتاب نفسه فقد خلب لبه، أو بعبارة أدق أعاد إلیه الطمأنینة المفقودة.

وبالرغم من أن الكتاب لم یأت بجدید وهو ما یعتبر جزءاً من جاذبیته، فقد قال الكتاب ما كان ونستون سیقوله لو تسنى له أن ینظم شتات أفكاره معاً، إنه نتاج لعقل شبیه بعقله وإن كان یفوق عقله قوة وتنظیماً ولا یسیطر علیه الخوف.

وكان ونستون یتصور أن أفضل الكتب هي تلك التي تقول لك ما تعرفه بالفعل.

ولم یكد ونستون یعود إلى الفصل الأول حتى تناهى إلى سمعه وقع خطى جولیا على درجات السلم فهب من مقعده واقفاً لاستقبالها. وما إن دلفت إلى الغرفة حتى ألقت بحقیبتها البنّیة فوق الأرض وألقت بنفسها بین ذراعیه، إذ كان قد انقضى على آخر لقاء ضمهما أسبوع أو أكثر.

وقال ونستون بعدما انفكا من العناق: «لقد حصلت على الكتاب». فقالت دون أن تبدي كثیر اهتمام: «آه هل حصلت علیه فعلاً؟» ثم ّجثت على ركبتیها بجانب الموقد لتعد القهوة.
ولم یعودا لموضوع الكتاب إلا بعد أن أمضیا نصف ساعة في الفراش معاً. كان المساء بارداً مما دفعهما لسحب الغطاء علیهما وكانت تسمع أصوات غناء مألوفة وأصوات احتكاك الأحذیة بحجارة الرصیف فیما كانت المرأة ذات الذراعین المفتولین والتي رآها ونستون هناك في أول زیارة له للغرفة واقفة متسمرة في الباحة.

إذ لا تمر ساعة دون أن یراها المرء تغدو وتجيء بین حوض الغسیل وحبل الغسیل، وتعض أحیاناً على مشاجب الغسیل حتى إذا انتهت منها انخرطت في أغنیتها المفعمة بالحیویة. وتمددت جولیا على جنبها وبدت على وشك الاستغراق في النوم، أما ونستون فقد مد یده لالتقاط الكتاب الملقى فوق ارض الغرفة ثم جلس متكئاً إلى رأس السریر.
وقال: «یجب أن نقرأه، وأنت أیضاً، بل یجب أن یقرأه جمیع أعضاء «الأخوة».
فقالت وهي مغمضة عینیها: «اقرأه أنت، اقرأه بصوت عال، فهذه أفضل طریقة، ثم اشرح لي ما تقرأه».
كانت عقارب الساعة تشیر إلى السادسة مساء، وهكذا كان لا یزال لدیهما ثلاث أو أربع ساعات، ولذا فقد وضع الكتاب فوق ركبتیه وراح یقرأ: الفصل الأول الجهل هو القوة عبر التاریخ المعروف للإنسان، وربما مند نهایة العصر الحجري، كان هنالك ثلاث فئات من البشر أو ثلاث طبقات في العالم:

الطبقة العلیا والوسطى والدنیا، وقد قسمت هذه الطبقات فیما بینها طبقات أخرى فرعیة، وحملت أسماء مختلفة لا حصر لها ولا عد، أم النسب التي تمثلها وكذا مواقفها إزاء بعضها بعضاً فقد تباینت من عصر لآخر، غیر أن التركیبة الأساسیة للمجتمع ظلت كما هي لم تتغیر أبداً.

بل حتى بعد اندلاع الثورات العارمة وما أحدثته من تفسیرات لا رجعة عنها، فإن ذلك النموذج یعود فیؤكد نفسه تماماً مثلما تفعل مروحة السفینة التي تعاود توازنها سواء أدرتها في هذا الاتجاه أو ذاك.
التفت ونستون وهو یقول: «هل أنت مستیقظة یا جولیا؟»
فأجابت جولیا: «نعم یا حبیبي، إني مصغیة لما تقول. استمر، إنه رائع».
فعاد إلى القراءة: وأما أهداف هذه الطبقات فكانت متضاربة ولا یمكن التوفیق بینها على الإطلاق، فهدف الطبقة العلیا هو البقاء حیث هي، وهدف الطبقة الوسطى هو الحلول محل الطبقة العلیا، أما هدف الطبقة الدنیا، إن كان لها هدف، ذلك أن من الخصائص الثابتة لدى هذه الطبقة هي أنها تعیش مسحوقة تحت وطأة مطالب الحیاة الیومیة فلا تعي شیئاً خارجها، هو إزالة كل الفوارق الطبقیة وإنشاء مجتمع یكون فیه جمیع الناس سواسیة.

وهكذا یتكرر عبر التاریخ ذلك النضال الذي یتشابه في خطوطه العریضة الرئیسیة.

ولآجال طویلة كانت الطبقة العلیا تبدو ممسكة بزمام السلطة، ولكن إن عاجلاً أو آجلاً كان لا بد أن تأتي علیهم لحظة یفقدون فیها إما إیمانهم بأنفسهم وإما قدرتهم على الحكم بكفاءة أو الاثنین معاً.

وحینئذ كان یطاح بهم من قبل الطبقة الوسطى التي تأخذ الطبقة الدنیا إلى صفها تحت دعاوى النضال من أجل تحقیق الحریة والعدل. ولكن ما إن تبلغ الطبقة الوسطى هدفها وهو السلطة، فإنها تزج بالطبقة الدنیا إلى وضعها القدیم حیث الاسترقاق، وتصبح هي الطبقة العلیا.

يتبع....

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك