وانقلب السحر على الساحر




الرغبة في الانتقام دفعتها لعمل السحر ..
منذ سنوات طويلة سمعت هذه القصة عندما ذهبنا لزيارة قريتنا , وهي إحدى قرى الوجه البحري بدلتا مصر .. قرية جميله تقع في حضن نيل مصر العظيم و يتمتع أهلها بالطيبة و البساطة و الفقر . وكان هذا الفقر هو السمة الغالبة لمعظم سكان القرية , أما الأثرياء فكانوا قله قليله في البلدة , وكان منهم رجل مشهور في البلد سنسميه ابو سويلم , لم يكن ثريا بالوراثة , فلم يرث أرضا و لا مالا من أبويه , بل كان في السابق فقيرا معدما يعمل بالأجرة في الأراضي الزراعية , و ما يكسبه بالكاد يغطى نفقة بيته , لكن أحواله تغيرت بعدما امتهن مهنة لا يمكن للكلمات وصفها .. فهي بالتعبير المهذب نخاس .

سمسار لبيع الفتيات الصغيرات الجميلات من بنات القرية , و بالطبع و نظرا للحالة المادية المتردية لأهالي القرية فقد قبل بعضهم بيع بناته للأثرياء من دول مختلفة مقابل حفنه عفنه من النقود , ولكن كما يقال فالحاجة ليست أم الاختراع بل الحاجة أم التنازل .

و بالعودة إلى قصتنا نجد الفتاه هناء التي لم تتم السادسة عشر وجهها كالبدر الصبوح وابتسامتها كندى الفجر و شعرها مفرود على ظهرها كشلال من الضوء الأسود وجسمها يتفجر بالأنوثة .. كانت ورده يانعة تهفو للحب و تحلم بالسعادة و تأمل بالحياة المشرقة , لكن كيف و عين ابو سويلم ترقبانها في المجيء و المسير , و ما أن رأى والدها المسكين الذي يحمل في عنقه ثمانية من الأطفال لا يستطيع إطعامهم الخبز الجاف حتى ابتسم له ابتسامه صفراء و هو يقول كيف حالك يا أبو محمد ؟ .. و يرد الرجل قائلا : بصبر الحمد لله و لكن الحال ليس على ما يرام .. فيقول له ابو سويلم : كيف و أنت تمتلك كنز قادر على أن يجعلك من أثرياء البلدة . فيتعجب الرجل وهو يقول بتهكم : و أين هو هذا الكنز ؟! .. فيشير ابو سويلم للفتاة و هو يقول أن ابنتك تساوى ثقلها ذهبا و هي القادرة على انتشالكم من البؤس الذي تعيشون فيه و ستمتلكون الأراضي الزراعية و المنزل العصري و الأجهزة الحديثة .

وسال لعاب الرجل و هو ينظر لابنته على أنها صفقه تجاريه ناجحة , وهنا انتهز ابو سويلم الفرصة و طرق على الحديد وهو ساخن وقال سأحضر عريسا لابنتك غدا و سيكون مهرها 50000 جنيه و مؤخرها مثله , و فغر الرجل فاه فهو لا يستطيع عد هذا المبلغ و لم يحلم بربعه في أكثر أحلامه تفاؤلا وذهب مهرولا إلى بيته يزف الخبر إلى زوجته التي أطلقت الزغاريد في البيت وهى لا تصدق نفسها , و في اليوم التالي جاء العريس المنتظر شيخ كبير تعدى الستين من العمر و خاب رجاء الفتاه في فارس الأحلام المنتظر و لكنها لا تملك الرفض فلقد حملتها الأسرة حلمها في الثراء و تحسن الأحوال , وفى الواقع لن يغير رفضها من الأمر شيء بل سترحب هي بالتضحية بنفسها عن طيب خاطر من اجل أسرتها البائسة , وتزوجت هناء من الشيخ كما يدعونه وقرر الرجل اخذ زوجته معه إلى بلاده و هنا تبدأ القصة فصولها .

ذهبت هناء إلى بلد زوجها فوجدت الرجل متزوجا بالطبع و لديه دسته من الأولاد و البنات , و لم تكن المشكلة في هذا الأمر , فالفتاه كانت تتوقع ذلك , لكن المشكلة كانت في ضرتها و ابنتها الكبرى اللتان أذاقتاها من العذاب ألوانا و إشكالا , فكانتا يعاملانها كخادمة بالمنزل , والفتاه لا تشكو , و تقومان بدس بعض الأغراض الثمينة داخل أمتعتها و يتهمنها بالسرقة . لكن القشة التي قصمت ظهر البعير هي عندما ضربتها ابنه زوجها بالحذاء على وجهها حتى أصابتها في عينها , فذهبت هناء إلى أم الفتاة تشكوها فزادت عليها و ضربتها بالحذاء ثلاثا , و هنا انهارت الفتاة و كل ما فعله زوجها هو انه قام بتطليقها ووضعها على أول طائره لبلادها , لكن الفتاه الجريحة لم تستطيع أن تخرج من البيت بدون أن تجمع بعض الأشياء ليست ذهب و لا فضه و لا ملابس .. بل جمعت خصلات من شعر الأم والبنت وقلامات أظافر و بعض الملابس .. وعندما عادت إلى بلدها وبيتها لم تكن هي الفتاه الجميلة اليانعة بل أصبحت شبح امرأة و أخذت الفتاه هذه الأشياء و ذهبت إلى الكودية وهى امرأة كانت مشهورة بالأسحار و الأعمال و عمل الزار , و تعاطفت الكوديه مع الفتاه بعد سماع قصتها التي كان كل همها الانتقام منهم جميعا .

بالعودة إلى منزل الزوج الشيخ فقد أصبحت الأم و ابنتها يعانيان من أعراض غريبة .. صداع مستمر و نزيف لا يتوقف و شعر يتساقط .. و عندما أعياهم الذهاب إلى الأطباء قاموا باستدعاء شيخ مشهور في بلدهم , و ما أن رآهم حتى قال لهم إنكم جميعا اشتركتم في ظلم إنسانه و بتجبركم و ظلمكم و طغيانكم حتى وصلتم إلى هذه الحالة , و الأمل الوحيد الباقي لديكم هو رد اعتبار هذه الفتاه حتى استطيع أن أساعدكم .

واعترفت الأم و الابنة بما اقترفته أيديهم من سوء في حق الفتاة و عاد الشيخ مسرعا إلى القرية و أعطى للفتاه مؤخرها و حاول استرضائها بكافه الطرق حتى انه عرض عليها أن يردها إلى عصمته من جديد , إلا أن الفتاه رفضت وقالت له إن كل ما كانت تتمناه هو أن تعيش عيشه كريمه و توفر لأهلها مثلها , و بالأخص و أنها دفعت الثمن من جمالها و عمرها و شبابها .

إن اللجوء إلى السحر وهو وسيلة انتقام الضعيف في نفسه ودينه .. لكنني أردت سرد هذه القصة حتى نعي إن الظلم ممكن أن يصل ببعض الناس إلى الدرك الأسفل من الانتقام حتى وان خرج من دينه و إنسانيته و معتقداته و إيمانه .

اذا انتهيت من القراءة شارك القصة مع اصدقائك وقل لهم انك قرأتها في تطبيق مكتبة القصص العالمية

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك