رواية عروس الثأر للكاتبة سارة علي الفصل الثاني والعشرون


هل جننت يا فرح؟!
قالها أدهم بعدم تصديق لما يسمعه على لسانها، هي بالتأكيد جنت لتطلب منه شيئا كهذا...
ردت عليه بنبرة باكية: كلا لم اجن، طلقني يا أدهم، انا لن أعيش معك بعدما عرفته عنك...
الامر لا يسير على مزاجك كما تظنين، انت زوجتي ولن اطلقك مهما حدث...
سأخبر الجميع بما عرفته، وحينها سيطلقني والدي منك لا محالة...

همت بالتوجه خارج الغرفة حينما قبض على ذراعها وجرها نحوه مانعا اياها من الخروج هاتفا بنبرة عصبية حادة: انت لن تقولي لأحد أي شيء، ما عرفتيه كان وسيظل سرا بيننا، هل فهمت.؟!
دفعته بقوة لا تعرف من أين جائتها وقالت: ابتعد عني، انت لا يحق لك أن تتعامل معي بهذه الطريقة، وطالما الأمر سرا فطلقني بدلا من ابقائي على ذمتك قسرا...

رمقها بنظرات مستاءة وقال بضيق: سنتطلق ولكن ليس الان، سنتطلق بعد عدة شهور كما اتفقنا مسبقا...
كتمت حسرتها داخل قلبها وهي تفكر بأنه لم ينس اتفاقهما، هذا يعني انه كان باقيا عليه، رفعت رأسها بإباء وقالت: ليس كل شيء يجري كما تريد، انا لست مجبرة على البقاء معك لعدة اشهر فقط لأنك لا تريد ان تطلقني، اختر يا ادهم اما الطلاق او إفشاء سرك...

ماذا تريدين بالضبط يا فرح؟! تريدين فضح السر الذي خبأته لسنين طويلة.؟! هل تظنين ان أمرا كهذا سيمر مرور الكرام...
كان يعاتبها بالرغم من نبرته الغاضبة اما هي فصرخت به بنفاذ صبر: انا لا اريد شيئا سوى الطلاق...
وانا لن أطلقك...
قالها بحسم قبل ان يتحرك من امامها خارجا من الغرفة لترتمي هي على سريرها وتبكي بصمت، لقد انتهت فرحتها قبل أن تبدأ...

وقف ادهم سيارته في كراج المشفى، هبط منها واتجه إلى داخل المشفى وتحديدا الى الغرفة التي يقظن بها أدهم الصغير...
وجد هناك شيرين التي كانت جالسة بجانب ابنها النائم بعمق...
كيف اصبح الان.؟!
سألها وهو يقترب منه لتجيبه وهي تنهض من مكانها لإستقباله: بخير، وضعه افضل الان، اخبرني الطبيب انه سيخرج صباح الغد من هنا...
اومأ برأسه ورد بخفوت: جيد...

رمقته بنظرات هادئة ثم قالت: ادهم، ماذا قلت لفرح عنا؟!
رد عليها بجدية: لم أخبرها بشيء اطمئني...
ماذا قلت لها اذا؟!
سألته بإصرار لمعرفة ما اخبر به فرح ليرد بعد فترة صمت: أخبرتها انه ابني، وهو كذلك...
قالها وكأنما يؤكد ما نطق به لتوه لترد شيرين معترضة: لا يا ادهم، هو ليس بإبنك، وفرح لا ذنب لها بأن تتحمل شيء كهذا...
ماذا تقصدين يا شيرين؟!

سألها مصدوما لترد: اخبرها الحقيقة يا ادهم، أخبرها أنه ليس بإبنك، لا تجعلها تعيش في كذبة مؤلمة كهذا...
صمت ولم يرد، اخذ يفكر في حديثها، ويفكر في فرح، فرح التي وضعته على المحك، اقتربت شيرين منه وسألته بجدية: ماذا قالت حينما أخبرتها أنه ابنك؟!
تطلع اليها بنظرات صامتة قبل ان يهتف بها: طلبت الطلاق...

توقعت هذا...
اطلقت شيرين تنهيدة صغيرة واكملت: أخبرها الحقيقة يا ادهم، فهي لا تستحق منك هذا...
ولكن انا لا أضمن انها لن تخبر احدا بالحقيقة...
صمتت شيرين ولم تعلق، اخذت تفكر بكلامه حينما نطقت اخيرا: ألا تثق بها.؟!
صمت ادهم لوهلة يفكر في سؤالها قبل ان يجد نفسه يجيب بتلقائية: بالطبع اثق بها...
ابتسمت له وربتت على ذراعه وقالت: اذهب اليها واخبرها بكل شيء.، اذهب يا أدهم...
وبالفعل نفذ ادهم ما قالته وذهب مسرعا اليها...

كانت تبكي بصمت، تحتضن جسدها داخل ذراعيها وتتذكر كلماته ثم تنخرط في بكاء يمزق نياط القلب...
كيف خدعها.؟! بل كيف صدقته هي؟!
لقد كانت في أوج سعادتها بسبب ما حدث بينهما، وهاهي الان في أوج ألمها وحزنها، هي الان أتعس انسانة في الدنيا، بعدما كانت اسعد انسانة منذ ساعات قليلة...

نهضت من مكانها بعدما مسحت دموعها، سارت بخطوات متهالكة نحو خزانة ملابسها واخرجت حقيبة كبيرة منها، بدأت تضع ملابسها في الخزانة وهي تفكر بأن عودتها الى منزلها باتت لا مفر منها، فهو لا يستحق ان تبقى لأجله بعدما علمت بوجود ابن له، وربما زوجه اخرى ايضا...

في نفس اللحظة دلف أدهم الى داخل الغرفة لتتسع عينيه مما يراه...
ركض نحوها وابعد الحقيبة من بين يدها وقال بغضب: ماذا تفعلين؟!
اجابته وهي تجاهد لعدم البكاء: سأذهب الى القرية، لا داعي لوجودي هنا...
فرح، كفي عن هذه السخافات...
نهرها بقوة ثم اكمل وهو يضغط على اعصابه: دعيني اخبرك بكل شيء...

سحبت الحقيبة منه وقالت بقوة: لا يوجد شيء لتخبرني به...
قبض على ذراعها وجرها خلفه، أجلسها على السرير وجلس امامها وقال بإصرار: كلا سوف تسمعينني...
اخفضت بصرها ارضا بينما قال هو بجدية: ليس ابني، وليست زوجتي...
رفعت بصرها نحوها لتتعلق أنظارها بنظراته الثاقبة قبل ان تهتف بعدم استيعاب: حقا.؟!
اومأ برأسه وأجاب بتأكيد على كل ما قاله: حقا...

من يكون ذلك الطفل اذا؟! ومن تكون تلك المرأة؟!
سألته بفضول لم تستطع ان تخفيه، تريد أن تطمئن، أن ترتاح...
هل تعدينني ألا تخبري احد بما سأقوله.؟! وأن هذا الأمر سيبقى سرا بيننا.؟!
اومأت برأسها وقالت: أعدك...
صمت قليلا قبل ان يقول: شيرين كانت زوجة اخي...
اخوك، أي اخ منهم؟!

سألته بتعجب كبير ليرد موضحا لها: أخي الكبير أياد، أنت لا تعرفينه، هو مقيم في أمريكا...
انا حقا غير مصدقة لما أسمعه، طالما هي زوجة اخيك وهذا الطفل ابنه، لماذا لا تخبر عائلتك.؟! لماذا الجميع لا يعرف بوجودهما.؟!
سأخبرك بكل شيء، لكن اياك ان يخرج هذا الكلام من فمك...
قالها بتحذير لتومأ برأسها وتستمع اليه...

اياد اخي الكبير احب شيرين وتزوجها بعد اصرار كبير، مع ان والدتي لم تكن موافقة عليها لأنها من عائلة متواضعة، ولكن أياد بطبعه هوائي، يعني لا يصبر على شيء كثيرا ولا يستمر بعمل او علاقة طويلا، ومع هذا هو بنفسه من أصر على شيرين...

صمت قليلا يتابع نظراتها الذاهلة مما تسمعه ليكمل: وللاسف مل من شيرين بعد زواجهما بفترة وبدأ يخرج مع فتيات اخريات ويخونها كثيرا، وفي النهاية قرر تطليقها والسفر الى الخارج، طلقها بالفعل واختفت شيرين من حياتنا لعدة شهور، وفي احد الايام وبالصدفة البحتة رأيتها، كانت حامل في شهرها التاسع، اول ما خطر على بالي ان هذا الطفل لأياد، وبالفعل لم أكذب خبرا حيث ذهبت اليها وواجهتها لتكبي وتترجاني ألا أخبر احدا...
لماذا.؟!

لأنها تخاف من نفوذ عائلتي، كونهم من الممكن ان يأخذوا الطفل منها، كما انها لا تريد اي علاقة تجمعها مع أياد، لقد كرهته بحق، ولم تعد تريد اي رابط يجمعها به...
وانت وافقت على طلبها هذا بكل سهولة؟!

اومأ برأسه وقال: نعم وافقت، فهي معها كل الحق، وأياد لا يستحق هذا الطفل، لهذا تكفلت انا برعايتهما سرا، واصبحت ابا روحيا لأدهم الصغير...
صمتت فرح قليلا، صمتت حتى قطعت صمتها حينما احتضنته وقالت: انا اسفة، اسفة حقا...
ربت أدهم على ظهرها قبل ان يشدد من احتضانها وهو يفكر بأن الحقيقة افضل من اي شيء...

دلف كاظم الى مكتبه، جلس على كرسيه واخذ يفكر بما يحدث معه، من جهة اخته سلوى وطلاقها المفاجئ، طلاقها الذي يبدو بلا رجعة، ومن جهة الاء، نعم الاء التي لا يعرف ان كانت تغيرت بالفعل أم تمثل عليه التغيير، فهو لا يثق بها ولا بطريقة تفكيرها، انها تتصرف بطريقة غريبة لا تشبهها بتاتا، طريقة لم يفهمها وكأن هذا ما كان ينقصه...

رن هاتفه فوجد اسمها يضيء شاشته، زفر أنفاسه بقوة ثم حمل الهاتف واجاب عليه: نعم، ماذا هناك؟!
جاءه ردها العفوي: عمتي اخبرتني ان تجلب معك بعض الخضروات والفواكه كالطماطم والبطاطا والفاصوليا والجزر والتفاح والبرتقال والفراولة...
لكن والدتي لا تحب الفراولة...
قالها بتعجب لترد بجديةة: الفراولة لأجلي، فأنا أحبها كثيرا...
حاضر، هل تريدين شيئا أخر؟!
اجابته نفيا: كلا لا اريد سوى سلامتك...

أغلق الهاتف في وجهها ثم حمل مفاتيح سيارته واتجه خارج مكتبه، ذهب الى السوق واشترى جميع ما أوصته به قبل ان يعود الى المنزل...
وصل الى هناك ليجدها تنتظره في المطبخ تحمل منه الاكياس كأي زوجة مثالية، ثم تغسل الخضروات والفواكه وتعقمها وتضعها في الثلاجة...
انتهت من عملها سريعا وركضت الى غرفتها، فتحت الباب ودلفت الى الداخل فوجدته جالسا على الكنبة ويبدو أنه يفكر بأمر ما...

اقتربت منه وجلست بجانبه وسألته: يبدو عليك انك مرهقا، وتفكر في امر هام، بماذا تفكر؟! اخبرني...
اجابها وهو يتنهد بإرهاق: افكر في موضوع سلوى وطلاقها...
هل تحدثت مع زوجها.؟!
هز رأسه نفيا وقال: كلا، لم أتحدث معه...
اومأت برأسها متفهمة وحل الصمت بينهما...
صمت قطعه هو بنفسه حينما التفت نحوها وسألها: إلام تخططين بأفعالك هذه يا الاء؟!

ماذا تقصد؟!
سألته بنبرة شاحبة ليرد بجدية: أنت تفهمين جيدا ما أعنيه...
كاظم، انا لا اخطط لشيء، انا فقط اتصرف بطبيعتي...
هب بها: طبيعتك! منذ متى وطبيعتك بهذه الوداعة؟!
اجابته: منذ الاول، منذ ولادتي، هذه حقيقتي كاظم، اما ما رأيته في البداية لم يكن سوى قناع ارتديته بسبب ما حدث...
اكملت بنبرة متشنجة: بسبب تلك الحادثة اللعينة التي دمرت حياتي...
صمت، صمت وهو يفكر بحيرة مما يسمعه، هل يصدقها؟! هل يعطيها الامان، وعندما لم يجد ردا مناسبا حمل نفسه وخرج من الغرفة بأكملها...

يتبع....

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك