رواية عروس الثأر للكاتبة سارة علي الفصل العاشر


عاد كلا من فرح وادهم الى المنزل بعد سهرة طويلة قضوها في منزل صديق أدهم...
كانت سهرة ممتعة للغاية، وبالرغم من الخجل الذي شعرت به فرح في بادئ الأمر الا انها سرعان ما اندمجت مع صديقه وزوجته التي كانت اكثر من رائعة...
فتح أدهم باب الغرفة ودلف الى الداخل تتبعه فرح...
خلع سترته ورماها على السرير بينما اندفعت فرح نحو خزانة ملابسها لتخرج بيجامة بيتية منها...
اخرجت فرح بيجامتها واتجهت نحو الحمام لغرض تغيير ملابسها...

اما ادهم فجلس على الكنبة يتابع اثرها حتى اختفت تماما قبل ان يزفر انفاسه وهو يفكر في هذه الليلة...
لقد فاجئته فرح كليا بشخصيتها المميزة التي جعلت صديقه وزوجته يعجبان بها للغاية، كانت مرحة للغاية بالرغم من خجلها، ضحكتها الجذابة طغت على كل شيء، حتى على افكاره، هو لا يريد ان ينقض عهده لنفسه، لكنها تجذبه بشكل غريب، بعفويتها وضحكتها وعينيها، واه من عينيها تلك التي لا يستطيع تحديد لونها...

خرجت فرح من الحمام وهي ترتدي بيجامة حمراء محتشمة لكنها أنيقة، وقفت امام المرأة وفكت تسريحة شعرها لينسدل شعرها الطويل على ظهرها بنعومة، ثم بدأت تزيل مكياجها تحت انظار أدهم الذي اخذ يتابعها بأنظاره، ابتلع ادهم ريقه وهو يشعر برغبة قوية تسيطر على جسده، رغبة بلمسها ، تقبيلها ، الاقتراب منها، لعن نفسه على افكاره وما وصلت اليه ثم فكر مرة اخرى بأنه بالفعل لم يمسس أي امرأة منذ زواجه بها، لا يعلم لماذا، لكن هناك شيء في داخله منعه من هذا، كان مستغرقا في افكاره حينما وجدها تنتهي من ازالة مكياجها وتتجه نحو السرير بنية النوم، فكر في طريقة يمنعها بها من النوم...

فنهض من مكانه مسرعا وقال: فرح انتظري...
تراجعت فرح عما تفعله وتوقفت في مكانها قبل ان تستدير نحوه وتسأله بصوت متعجب: ماذا حدث؟!
أجابها وهو يتمعن النظر اليها: اردت ان اتحدث معك قليلا...
بشأن ماذا؟!

سألته بإستغراب فلا تذكر أن هناك أحاديث مهمة من الممكن أن تجمعهما، بالاساس لا يوجد اي شيء مشترك بينهما...
اجابها ادهم بجدية: بشأن سهرة اليوم...
شعرت فرح بالقلق مما سيقوله، هل سينتقد تصرفا صدر منها؟! لكنها لا تتذكر أنها فعلت شيئا يستحق الانتقاد، توقفت عن افكارها تلك وهي تفكر بأنه حر فيما يريد قوله ولن يؤثر عليها او على ثقتها بنفسها...

فرح انا اشكرك كثيرا لانك وافقتي ان تأتي معي اليوم...
هل يشكرها؟! ادهم الهاشمي يشكرها هكذا بكل بساطة؟!
سمعته يكمل قائلا: لقد كانت سهرة رائعة بوجودك، لقد أضفتي عليها جوا مميزا، حتى انهم أحبوكي للغاية...
احمرت وجنتي فرح خجلا وقالت بتوتر ملحوظ: العفو، انا لم افعل شيئا يستحق الثناء، لقد تصرفت بعفوية مطلقة، كما اعتدت ان اتصرف مع الجميع...
اعرف ولكن هذا لا يمنعني من ان اشكرك...

لا داعي للشكر يا ادهم، وجودي معك في دعوة صديقك واجب علي، في النهاية انا زوجتك...
ابتسم ادهم بطريقة خفق لها قلبها، لعنت قلبها الذي يخفق كلما تحدث معها او ابتسم اليها، حاولت ان تمحي هذه الافكار من رأسها وتتجه نحو الفراش...
عن إذنك، أنا سأنام...

شعر أدهم بالاحباط لكنه لم يريد ان يبين هذا، هو لم يستطع ان ينفذ اي من رغباته المخبئة...
تصبحين على خير...
اجابته بابتسامة خفيفة: وانت من اهل الخير...
ثم ذهب كلا منهما الى سريره وهو يفكر بالاخر بطريقة لم يعدها ابدا...

في منزل حميد زهران...
دلفت نجلاء الى غرفة نومها لتجد زوجها جالسا على السرير واضعا رأسه بين كفي يديه...
رفع رأسه للاعلى ما ان شعر بوجودها ثم سألها بسرعة: كيف أصبحت الان.؟!
اجابته وهي تجلس بجانبه: افضل قليلا...

حل الصمت قليلا بينهما قبل ان تقطعه هي بنفسها وتقول: انت تبدو متعبا للغاية، ما رأيك أن تنام قليلا من الوقت...
اومأ برأسه وقال: معك حق، أشعر بحاجة كبيرة للنوم...
ثم ما لبث أن نهض من مكانه واتجه نحو سريره...

تنهدت نجلاء بتعب قبل ان تلتفتت الى الخلف لتجد زوجها يجلس على السرير واضعا يده فوق قلبه ويبدو عليه أنه يتألم بشدة...
ركضت نحوه على الفور واحتضنته سائلة إياه: ماذا جرى لك؟!
اجابها بأنفاس مقطوعة: الم فظيع يا نجلاء...
ثم ما لبث ان صرخ صرخة قوية وفقد الوعي بعدها لتصرخ نجلاء باسمه قبل ان تركض خارج الغرفة وتنادي على ابنها مازن...

جاء مازن راكضا بعدما سمع صوت والدته تناديه يتبعه كلا من ملك ومريم، حتى ليلى التي كانت نائمة استيقظت على صوت صراخ امها وخرجت راكضة من غرفتها...
دلف مازن الى داخل الغرفة لينصدم بوالده ممدد على السرير فاقد للوعي، اقترب منها وحاول أفاقته لكن بلا فائدة، اخرج هاتفه من جيبه واتصل بالإسعاف الذي سرعان ما أتوا بعد فترة قصيرة ليحملوا الاب ويتجهوا به للمشفى...

في المشفى...
كان يقف الجميع في انتظار الطبيب ان يخرج من غرفة الطوارئ حينما جاء كاظم وكامل مسرعين نحوهم...
ماذا حدث يا مازن.؟!
سأله كاظم ليجيب مازن بقلق واضح: لا نعلم، ما زال الطبيب في الداخل، نحن ننتظر خروجه ليشرح لنا ما يحدث...

وبالفعل خرج الطبيب ما ان انهي مازن كلامه ليقترب الجميع بسرعة منه فيتحدث الطبيب قائلا: لقد تعرض لجلطة قلبية، حالته صعبه للغاية، سوف ننقله الى العناية للمركزة، ويبقى هناك الى ان يتحسن وضعه، دعواتكم له...
ثم رحل لتنهار ليلى باكية بين أحضان والدتها: انا السبب، لولاي ما كان ليحدث هذا...
قاطعها كامل: انت لا علاقة لك بأي مما حدث، جابر الحقير هو السبب، لكن لا تقلقي سنأخذ حقك وحق عمي منه كاملا...
سوف اقتله بين يدي هاتين...

قالها مازن بعصبية كبيرة ليقول كاظم بتعقل: انتما الاثنان، اتركا ذلك الحقير الان، المهم هو عمي ووضعه...
جلست نجلاء على الكراسي الجانبية الموضوعة في ممر المشفى وهي ما زالت تحتضن ليلى التي كانت تبكي...
تحدث مازن قائلا وهو يشعر بالاسف لأجل أخته: معك حق يا كاظم...

اشار كامل لكاظم قائلا بنبرة خافتة: لن ارتاح حتى أجلده بيدي هاتين...
رد كاظم بجدية: سنجلده يا ابن العم، لكن لننتظر قليلا، كما امرنا عمي...
ثم استدار نحو الاخرين وقال: ' من سيذهب الى المنزل ومن سيبقى الليلة هنا.؟!
اجابته نجلاء: انا سأبقى هنا بجانبه...
كلا يا امي، انا من سأبقى بجانبه، اذهبي انتِ وارتاحي...

قالها مازن رافضا ان تبقى والدته هنا لكن نجلاء كانت مصرة على ما تقوله: انا لن اتزحزح من هنا ولن اترك والدك لوحده، اذهبوا انتم واتركوني معه...
تحدثت ملك بنبرة باكية: وانا لن أترك والدي لوحده...
ملك، لا ينقصنا سواك، انت واخواتك ستذهبون...
قالها كامل بنبرة حاسمة ثم استدار نحو مازن: وانت اذهب مع اخواتك، انا سأبقى مع زوجة عمي...
ولكن...

قاطعه كامل: لا يوجد لكن، انت بالتأكيد لن تترك اخواتك لوحدهن في المنزل ليلا...
معك حق..
قالها مازن اخيرا حينما وجد أن كامل معه كل الحق فيما قاله...

دلف كاظم الى منزله ليجد والدته واخته في انتظاره...
نهضت اخته بسرعة من مكانه واقتربت منه متسائلة بقلق: ماذا حدث يا كاظم.؟! كيف حال عمي؟!
اجابها كاظم وهو يجلس على الكنبة بتعب: حالته سيئة للغاية يا سلسبيل...
مالذي حدث بالضبط يا بني؟! أخبرنا!
سألته والدته ليجيبها موضحا ما حدث: لقد أصيب بجلطة قلبية...

شهقت سلسبيل بقوة وقالت بنبرة باكية: يا الهي، وكيف اصبح الان؟!
اجابها كاظم: لن اكذب عليك، ما زال وضعه سيئا...
سألت أمه هذه المرة: من بقي معه هناك.؟!
اجابها وهو ينهض من مكانه: بقيت زوجة عمي ومعها كامل...
يجب ان نذهب الى هناك منذ الصباح الباكر...

اومأ كاظم برأسه متفهما وقال: سوف أخذك صباحا الى المشفى، وسلسبيل تذهب لبيت عمي...
ثم تحرك خارج المكان، واتجه نحو غرفة نومه، فتح الباب ليجد الاء تجلس على السرير وهي تلعب على حاسوبها الشخصي...
اغلق الباب خلفه وخلع سترته ورماها على السرير وقال باقتضاب: مساء الخير...
رفعت الاء بصرها نحوه وقالت بعد لحظات: مساء النور...

اخرج كاظم بيجامته من خزانة ملابسه واتجه بها نحو الحمام، اخذ حمام سريع ثم خرج وهو يرتدي بيجامته ليجد الاء تقف امام الشرفة مولية ظهرها له...
التفتت نحوه وأخذت تتأمله وهو يقف امام المرأة يسرح شعره بعناية فقالت: كاظم، هل لي ان اتحدث معك بموضوع هام؟!

اجابها كاظم بجدية: تحدثي...
انا اريد ان أباشر عملي في شركتي...
شركتك! لم اكن اعلم ان لديك شركة...
قالها كاظم بتعجب لترد بتوتر غريب: بلى لدي، اشتريتها منذ فترة قصيرة، هي شركة خاصة بمواد ومستحضرات التجميل، المهم، انا بحاجة لأن أديرها عن قرب...

وما المطلوب مني؟!
اجابته بحرج لاول مرة يغزوها من بروده: اريد ان اسافر الى العاصمة، يجب أن أتابع عمل الشركة من هناك...
الاء، هل تظنين بأنني سأسمح لزوجتي بالسفر الى المدينة هكذا بسهولة؟!
لا افهم، ماذا تقصد؟!
سألته بعدم فهم حقيقي ليجيبها شارحا وجهة نظره: انت متزوجة مني، لا تنسي هذا، وزوجتي لا تترك المكان الذي انا فيه لأي سبب كان...
هل أنا في سجن وأنا لا اعلم.؟!

سألته بضيق جلي ليرد بلا مبالاة وهو يتجه نحو الكنبة ليتمدد عليها: اعتبريه كذلك...
وقفت متخصرة امامه: كاظم، لا تنام، انا لم أنه كلامي بعد...
تنهد بنفاذ صبر وقال: ألا يمكن أن نتحدث غدا.؟!
ردت بعناد: كلا، سنتحدث وننهي كل شيء اليوم...
الاء لا تستفزيني، انا متعب للغاية ولا رغبة لي بالحديث مع احد...

زفرت أنفاسها بقوة وقالت: انت بالاساس كل يوم متعب، اسمعني جيدا، انا لن اترك شركتي تنهار بسببك، انا يجب ان اسافر الى المدينة خلال يومين، يجب أن أتابع اعمال الشركة...
حسنا، سأسافر انا معك، ولكن ليس الان...
أنا لا أفهم أين المشكلة، لماذا لا توافق بأن أسافر لوحدي؟!
هكذا العادات عندنا يا الاء...

قالها بواقعية لترد بملل: عادات عادات، كل شيء لديكم بناء على العادات، اقسم لك بأنني مللت هذه العادات...
يبدو ان الليلة لن تمر على خير...
قالها كاظم بينه وبين نفسه لتسأله الاء: ماذا تقول؟!
اجابها وهو يتكأ على مرفقه فوق الكنبة: اقول بأننا سنسافر سويا حينما انتهي من اعمالي الحالية واطمئن على عمي...
هذا اخر كلام لديك...
اومأ برأسه لتضغط على شفتيها بقوة قبل ان تذهب نحو السرير وتتمدد عليه لتنام...

في صباح اليوم التالي...
اوقف أدهم سيارته امام منزل عائلة فرح...
لقد خرجوا منذ الفجر حتى يصلوا الى هنا عند الصباح...
هبطت فرح بسرعة من السيارة وركضت نحو المنزل بلهفة ليهبط ادهم هو الاخر من سيارته ويسير خلفها ببطء...
اخذت فرح تطرق على الباب بقوة حينما فتحت لها ملك الباب بوجه باكي...
فرح واخيرا اتيت...

ثم ما لبثت ان احتضنت فرح بقوة وأخذت تبكي ليقف أدهم مذهولا مما يراه ويفكر بأنهم عائلة نكدية بحق فكيف لهم ان يبكو فقط لرؤية أختهم التي فارقوا منذ اسابيع قليلة...
ماذا حدث؟!
سألتها فرح بنظرة مرتعبة لتجيبها ملك من بين بكائها: ابي يا فرح، ابي..
سألتها فرح بسرعة: ماذا حدث له؟ تحدثي...

اجابته وهي تمسح دموعها: لقد اصيب بجلطة قلبية وهو الان في المشفى...
شهقت فرح بصدمة قبل ان تهطل الدموع من عينيها وتقول بصوت متحشرج: يا الهي، متى حدث هذا؟!
هنا تحدث ادهم محاولا تهدئتها: اهدئي يا فرح...
ثم قال لملك: متى حدث هذا.؟!

لجابته ملك بصوت محتقن: مساء البارحة...
ولماذا لم تخبروني؟!
سألتها فرح بعصبية من وسط دموعها لتجيبها ملك: لم نرد أن نقلقكِ...
ما ان اكملت ملك كلامها حتى جاءت مريم مسرعة واقتربت من فرح وضمتها وهي تبكي...
ابي يا فرح، ابي...
ضمتها فرح بقوة واخذت تبكي هي الاخر...

بعد فترة قصيرة اتجه الاربعة الى صالة الجلوس، جلست فرح بتعب على الكنبة وقالت: اريد ان اذهب الى هناك...
تحدثت ملك بجدية: لقد ذهبت ليلى الى هناك منذ قليل، ووالدتي وكامل هناك ايضا...
كيف حدث هذا؟! اخبروني...
تطلعت كلا من ملك ومريم الى بعضيهما لتشعر فرح بأن هناك مصيبة اخرى فتسألهم بقلق: تحدثا حالا، ماذا تخبئان عني؟!

فرح اهدئي...
قالها أدهم وهو يمسك كف يدها بيده لتتحدث ملك اخيرا: ليلى...
ما بها؟!
لقد تطلقت ليلى يا فرح...
اتسعت عينا فرح بعدم تصديق قبل ان تهتف بذهول: ماذا تقولين انتِ؟! هل تمزحين معي يا ملك.؟!
هزت ملك رأسها نفيا بينما أكملت مريم حديثها: لقد حدث هذا منذ يومين، ولم نستطع ان نخبرك...
لماذا تطلقت.؟! لماذا؟!

اجابتها مريم بمرارة: لقد ضربها جابر بسبب والدته...
اكملت ملك نيابة عنها: انها قصة طويلة يا فرح...
تطلعت فرح الى ادهم بذهول بينما قابل ادهم نظراتها بأخرى مشفقة...

يتبع...

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك