تعتبر صفة خلف الوعد هي إحدى الصفات الذميمة التي نهى عنها الله عزوجل ، ومن صفات الإنسان الخلوق أن ينفذ ، ما وعد حتى ولو كان الأمر على في مشقة عليه ، فالرجل كلمة كما ربينا ، وقد كان لصاحب مثلنا هذا قصة في خلف الوعد والإخلال بالقول ، فصار مضربًا بين الناس في تلك الصفة ، وكتب عنه الشعراء في أبياتهم ، وصار مفضوحًا بين الناس ، فمن الشعراء من قال : وعدت وكان الخلف منك سجية * مواعيدَ عرقوبٍ أخاه بيثرب .قصة المثل :
يحكى أنه كان هناك رجلًا يهوديًا من يثرب يضرب به المثل في الكذب ، وخلف الوعود ، وفي مرة أتاه أخاه في طلب له ، فقال له عرقوب ، وقد كان لدية نخلة يزرعها : حينما تثمر النخلة سأعطيك طلعها .فلما أثمرت النخلة عاد أخاه إليه مرة ثانية يطلب ما وعده به عرقوب ، فما كان من عرقوب الكذاب إلا أن قال له دعها حتى تصير بلحًا ، فلما أبلحت رجع إليه الأخ مرة ثالثة يسأله عما وعده به ، فماطل عرقوب أخيه قائلًا : له دعها حتى تصير زهوًا .فانصرف أخوه وعاد لما زهت يسأله عن ثمر النخلة ، فقال له عرقوب : دعها حتى تصير رطبًا ، وانتظر الأخ مرة أخرى ، ولما أرطبت الثمار ذهب يطلبها ، ولكن عرقوب الماكر طلب منه أن يدعها حتى تصير تمرًا .فلم يملك الأخ سوى الانتظار حتى يأتي عرقوب بما وعد ، ولكنها لما أتمرت ، صعد إليها عرقوب ليلًا ، وجمع تمرها ، ولما عاد الأخ لم يجد في النخلة شيئًا ، فحزن لذلك كثيرًا .وبعدها صار عرقوب مضربا للمثل لأن وعد أخاه وأخلف أكثر من مرة ، فهو لم يخلف لأمر خارج عن يده ، بل عمد إلى ذلك وقصد الخلف بالوعد ، ومن الشعراء من قال عنه : أمنجزٌ أنتمُ وعدًا وثقت به * أم اقتفيتم جميعًا نهجَ عرقوب ، وقال كعب بن زهير : صارت مواعيد عرقوب لها مثلا *وما مواعيدها إلا الأباطيل ، فليس تنجز ميعادا إذا وعدت * إلا كما يمسك الماءَ الغرابيلُ.