يضرب هذا المثل في حسن التوكل على الله ، وعدم التفكير في هم الرزق ، فهو معلق بيد الله سبحانه وتعالى ، يمنحه لعباده وقتما شاء ، والمثل للشاعر عروة بن آذينه ، واسمه يحيى بن مالك الليثي الكناني بن الحارث ابن عمرو بن عبد الله بن زحل بن يعمر ، أما آذينه فلقبه ، وقد عاش في المدينة المنورة خلال حكم الدولة الأموية ، وهو شاعر ضالع في الغزل ، وكان أسلوبه في الغزل رقيقًا وعذبًا ، فهو القائل :إذا وجدت أوار الحبِّ في كبدي . . . أقبلت نحو سقاء الماء أبتردُ
هبني بردتُ ببرد الماء طاهره . . . فمن لنار على الأحشاء تتقدُقصة المثل :
كان عروة بن آذينه رجل قانع ، وقد عبر عن هذه الخصلة كثيرًا في أشعاره ، وفي مرة من المرات وفد عروة على هشام بن عبد الملك ، وهو في جماعة من الشعراء ، فلما دخل عليه عروة عرفه ، وقال له : ألست القائللقد علمت وما الإسراف من خلقي . . . أن الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى إليه فيعييني تطلبه . . . ولو قعدت أتاني ليس يعيينيوقال بن عبد الملك : ورغم أبياتك هذه ، إلا أنى أرى أنك قدمت من الحجاز إلى الشام طلبًا للرزق الذي قلت أنه سوف يأتيك ، فقال له عروة : يا أمير المؤمنين زادك الله بسطه في العلم والجسد ، لقد وعظت فأبلغت ، وذكرتني بما أنسانيه الدهر ، وبعدها خرج وركب ناقته عائدا إلى الحجاز متيقنا أن رزق الله سوف يأتيه ، فانشغل عن أمره هشام بن عبد الملك طيلة اليوم ، ولما حل الليل عليه استيقظ من نومه متذكرًا عروة ، وقال هذا رجل من قريش وفد إلي وقال حكمه ، وقد رددته خائبًا ، وهو شاعر لا آمن ما قد يقول.ولما حل الصباح سأل عنه ، فأخبروه أنه ارتحل ، فقال : لا جرم فسوف يأتيه الرزق ، ودعا خادما له ، وأعطاه ألفي دينار ليلحق بهم عروة ويعطيهم له ، وبالفعل انطلق الغلام في أثر بن آذينه ، ولما وصل إلى بيته ، قرع الباب ، وحينما فتح آذينه أعطاه المال الذي أمر به بن عبد الملك .فقال له عروة : أبلغ أمير المؤمنين قولي سعيت ، فأكدت ، ورجعت إلى بيتي فأتاني رزقي ، ومن يومها ، وصارت هذه المقولة مثلا يضرب عند ذكر الرزق والتوكل على الله سبحانه وتعالى.