قصة جماعة الخنّاقون في الهند

منذ #قصص منوعة

شهدت فترة العصور الوسطى في كافة أنحاء العالم ، العديد من العادات الغريبة والمرعبة في تاريخ الأمم ، حيث شهدت منطقة الهند جرائم مروعة كثيرة إبان فترة أواسط القرن الثالث عشر.فبالقرب من مقاطعة دلهي بشبه القارة الهندية ، كانت تهبط جماعات أتت إلى تلك المنطقة من أجل الراحة وشرب المياه ، بعد أن قطعت مسافات ضخمة من أماكن انطلاقها ، وكان يقابل هؤلاء الركاب عددًا من أبناء القرى الذين يقبعون على الشاطئ ، فيستقبلون الزوار بود ومحبة حتى يندمجوا معهم .ويظل الود قائمًا حتى تأتي اللحظة المخيفة ، حيث يهجم على الركاب مجموعة ملثمة من الرجال ويمسكون في أيديهم أوشحة صفراء ، ويخنقون بها كل من بالقافلة التي هبطت على شاطئهم ولا يتركونهم سوى جثثًا هامدة تغطي الشاطئ في مشهد حزين وغاية في الرعب .تلك الحوادث لم تكن هي الوحيدة على هذا الشاطئ ، الذي اشتهر بتلك الجرائم المتعددة ، فتاريخ جماعة الخناقين روعت الكثيرون على مدار ستة قرون متصلة ، قبل أن تنتهي تلك العادة على يد البريطانيون عقب استعمارهم الهند ، بحلول القرن التاسع عشر .الجذور التاريخية :
يقول الدكتور ظافر المقدروي في كتابه الخناقون جذورهم وآثارهم ، أن هناك العديد من المعتقدات التي سيطرت على بعض الشعوب حول العالم ، مثل معتقدات القتل التي انتقلت من الشعوب التي عبدت الآلهة .واشتهرت بحبها لسفك الدماء وتقديم القرابين بل وتناول لحوم الضحايا ، مثل شعب الدوال باي ؛ وهم قوم سكنوا في الهند منذ القدم ، كانوا يتظاهرون بالعرج ويصطادون المسافرين ، ثم يطلبون منهم أن يحملوهم ، فإذا رفضوا قاموا هؤلاء بخنقهم جميعًا.وجاء ذكر هؤلاء القوم ، إبان لفترة التي حكم فيها السلطان المسلم فيروز شاه لإقليم الهند آنذاك ، فبعد انهيار الدولة الغورية التي كانت قد أقيمت في الهند ، تمح إلقاء القبض على أحد المنتمين لتلك الجماعة ، وقد أرشد عن حوالي ألف شخص غيره ، ولكن السلطان فيروز شاه لم يقتل منهم أحدًا ، ولكن أمر بنفيهم إلى الجنوب ، وذلك نظرًا لما اعترفوا به بأنهم مسلمون ، وذكرت العديد من المصادر بأن جذور هؤلاء العقائدية هي هندوسية الأصل.رواية الخنق مقابل الذبح :
ومن بين الروايات التي تحدثت عن جذور تلك العادة القبلية الهمجية ، كانت رواية هندوسية تعيد تلك العادة إلى أحد الآلهة الهندوس ، ويدعى كالي وهي إلهة الموت في التاريخ الهندوسي ، ومن المعروف أنها تدمر الشرور وليست محبة للقتل والدمار.وكانت الإلهة كالي تخوض معركة ضد العِفريت الأسطوري راكتابيجا ، والذي أعطاه سيد الهندوس قدرات خارقة تجعله يولد مرة أخرى بعد موته ، ولم تستطيع كالي هزيمته لأنه بعد أن ينزف دمه أرضًا ، تلد الأرض راكتابيجا أخرى.فما كان من كالي سوى تمزيق ثوبها الأصفر ، إلى قطع صفراء صغيرة سميت بالرومال ، وقامت باستخدامه لقتل العفريت خنقًا دون إراقة دماءه ، ومن ثم جاء طقس الخنق نظرًا لتلك الرواية الأسطورية ، حيث استخدم الخناقون قطعًا من القماش الأصفر أيضًا ، مثل الرواية.من التقرب للآلهة إلى النهب :
بعد أن قام السلطان فيروز شاه ، بنفي من تم إلقاء القبض عليهم من جماعة الخناقين ، عادت هذه الجماعات للظهور مرة أخرى في الهند ، ولكن هذه المرة من خلال عمليات قتل ونهب واستغلال للضحايا ، مع الحرص على إخفاء آثارهم عقب تنفيذ المهمة.كانت جماعات الخناقين يدفنون ضحاياهم بعناية بعد الانتهاء منهم ، حيث يهاجمون الضحايا بأعداد مهولة قد تتراوح من العشرات إلى المئات منهم ، وقد عُرف عنهم التنوع بين الهندوس والسيخ ، وكان ينضم إليهم مسلمو الهند من أجل التربح وليس التقرب الديني ؛ لأنهم كانوا يسلبون كل أمتعة الضحايا وأموالهم بعد مهاجمتهم ، ومنهم من كانوا يغنون من أجل التشويش على أصوات الضحايا حتى تتم المهمة بنجاح.وخلال ستمائة عامًا لم يستطيع أحد الحكام أو الحكومات المتعاقبة من القبض عليهم ، حيث كانت تكمن قوتهم في التخفي جيدًا ، وترابط أفراد تلك الجماعة في الحياة العادية ، وغالبًا ما يجتمعون في أماكن سرية ، ولا يعرفون بعضهم سوى من خلال وشاح كالي الأصفر ، وظل عدد هؤلاء الخناقين مجهولاً ، وتعددت الأرقام التي تم حصرها بالمصادر ، وتم تقدير محصلة ضحاياهم بمرور السنوات إلى مليون ونصف ضحية ، تم قتلهم خنقًا.النهاية :
بحلول بدايات القرن التاسع عشر ، اجتاح الاحتلال البريطاني أرجاء الهند ، ومع تواجدهم آنذاك وصلت الأخبار إلى القيادات البريطانية بشأن عمليات الخنق التي تتم بواسطة جامعة الخناقين ، فما كان من الحاكم البريطاني سوى بإنشاء وحدة لتدوين تلك الجرائم ، ومن ثم بدء حملة أمنية موسعة للإيقاع بهم ، هم وجماعة داكويتي التي كانت تمارس نفس النشاط في بورما والهند أيضًا.وفي غضون خمسة أعوام تم الإيقاع بقائد جماعة الخناقين ، ويدعى بهرام ، والذي اعترف بقتل أكثر من مائتيّ وثمانون شخصًا ، والمدهش بالأمر أنه قد اعترف أيضًا على كل من يشاركونه تلك جرائمه على الفور ، وذكر أن الإلهة كالي هي من أرادت لهم ذلك لأنهم لم يقوموا بعملهم على الوجه الأمثل!وتمت محاكمة بهرام وأعدم شنقًا في عام 1840م ، واستمرت الحملة المنية البريطانية ضد جماعة الخناقين حتى عام 1904م ، حيث تم إلقاء القبض على حوالي 1400 شخصًا ينتمون لتلك الجماعة الإجرامية ، وتراوحت العقوبات لهم بين السجن والإعدام .ويقال أنه بالرغم من مرور تلك الفترة الطويلة لأكثر من مائة وخمسون عامًا ، إلا أن تلك الجماعات لم تختفي نهائيًا حتى يومنا هذا ، فقد كانت تختفي وتظهر من حين إلى آخر ، والدليل على ذلك أنها استمرت باقية على مدار ستة قرون من الزمن ، ويعتقد البعض بأن من يقوم بإحيائها بعض المنتمون وأتباع الإلهة كالي المخلصين.

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك