لقد استعمر البشر كل ركن من أركان كوكب الأرض ، وفي كل يوم كان يتم استخدام المزيد والمزيد من الأراضي التي كان يُعتقد أنها غير قابلة للاستخدام أو غير صالحة للاستخدام في النقل والزراعة والمباني .وبحلول أوائل القرن الحادي والعشرين ، كان يبدو أن أعلى قمم الجبال وأجزاء المناطق النائية من القمم الجليدية والصحاري فقط ، هي التي تندرج ضمن فئة المناطق التي لا يزورها البشر بشكل متكرر .ومع ذلك كانت هناك منطقتان كبيرتان خاليتان من البشر تم إخلاؤهما عن قصد ، بسبب الحوادث النووية الخطيرة فقد أغلقت المناطق المحيطة بمواقع كارثة تشيرنوبيل وفوكوشيما ، وصُنفت كمناطق استبعاد نووية بسبب الأخطار المستمرة للإشعاع وآثاره .وقد وقع حادث تشرنوبيل في 25 و26 أبريل عام 1986م في محطة الطاقة النووية في بريبيات بالاتحاد السوفيتي (الآن في أوكرانيا) ، فعلى بعد 65 ميلًا (104 كم) إلى الشمال من كييف ، أدت قضبان التحكم غير المبردة في قلب المفاعل إلى تفاعلات متسلسلة ، حيث فجرت الصلب الثقيل والغطاء الخرساني للمفاعل .والذي أطلق إلى جانب النار الناتجة في قلب مفاعل الجرافيت كميات كبيرة من المواد المشعة في الغلاف الجوي ، مما أدى إلى حرق ملايين الأفدنة من الغابات والأراضي الزراعية القريبة من خلال الآثار الإشعاعية ، وتسببت هذه الكارثة في إطلاق المزيد من الإشعاعات النووية أكثر من التي سببته القنابل الذرية على هيروشيما وناجازاكي .حيث قتل 49 شخصًا على الفور ، وأصيب عشرات آخرون في وقت لاحق بمرض إشعاعي ، وفي النهاية تم إجلاء أكثر من 300 ألف شخص من “بريبيات” والمنطقة المحيطة بها ، إلا أن مئات الآلاف ظلوا في مناطق ملوثة قريبة ، وفي أعقاب الكارثة وضع الاتحاد السوفيتي منطقة استبعاد على شكل دائرة نصف قطرها 18 ميل (حوالي 30 كم) حول المصنع .وكانت المساحة الإجمالية للمنطقة حوالي 1017 ميلًا مربعًا (2634 كيلومترا مربعا) ، وتم توسيعها فيما بعد إلى 1600 ميل مربع (4143 كيلومترا مربعًا) ، لتشمل مناطق إضافية ثبت لاحقًا أنها مشعة بشدة ، وبينما كان من الصعب على أي شخص أن يعيش فعليًا في منطقة الحظر ، كان العلماء وغيرهم يستطيعون تقديم طلبات للحصول على تصاريح تسمح لهم بالدخول لفترة زمنية محدودة .وذلك على غرار المنطقة المنزوعة السلاح بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية ، وقد أصبحت منطقة استبعاد تشيرنوبيل محمية بيولوجية فعلية ، حيث تم الكشف عن إشعاع غاما في المنطقة ، من خلال انتشار العيوب خلقية والتشوهات في الحياة البرية المحلية ، لكن بعض النباتات والحيوانات في المنطقة قد أظهرت مرونة ملحوظة .حيث لاحظ العلماء أن النطاق الجغرافي للإشعاع في المنطقة غير مكتمل ، وبالتالي وجدوا أن العديد من الثدييات الكبيرة مثل الذئاب ، والخنازير وبعض الخيول والثعالب لم تتلقى جرعة عالية من الإشعاع ، وبالتالي لم يكن هذا كافيًا لإحداث انخفاضات في أعداد هذه الأنواع .وبعيدًا عن البشر فقد تضاعفت أعداد هذه الثدييات ، وهي التي كانت أقل بشكل ملحوظ عندما سكن البشر المنطقة ، ويعتقد علماء البيئة أن منطقة استبعاد تشيرنوبيل هي منبع تلك الثدييات ، وتشير بعض الدراسات إلى أن الضرر الوراثي قد حدث في العديد من النباتات والحيوانات داخل المنطقة ، وأن بعض الحيوانات وأنواع معينة من الطيور كانت تعاني من خلل في التناسل ، وانخفاض في حجم الدماغ ، وإعتام عدسة العين .وننتقل إلى قصة حادثة فوكوشيما النووية باليابان ، وهي كارثة تنافس حجم تشرنوبيل ، ففي 11 مارس
آذار 2011م بعد أن تسبب زلزال هائل في المياه البحرية في كارثة تسونامي ، التي غزت الشواطئ وألحقت الضرر بالمولدات الاحتياطية لمحطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية ، وهي منشأة تقع في الساحل الشرقي لجزيرة هونشو اليابانية .وتسبب فقدان الطاقة في فشل أنظمة التبريد في كل من المفاعلات الأربعة التابعة للمرفق ، وبعد أيام وقبل استعادة الطاقة ذاب قلب المفاعل ، وصدرت عدة إصدارات صغيرة من الإشعاع إلى جانب انفجارات في مباني الاحتواء ، التي تضم ثلاثة من مفاعلات المرفق وعلى مدى الأيام الأربعة التالية خرجت مواد مشعة من المصنع ، فلوثت المناطق الريفية المحيطة بها .وأصبحت المياه المستخدمة في محاولة تبريد المفاعلات مشعة في هذه العملية ، واختلطت بماء المحيط الهادئ المجاور ، وعلى مدار الأيام التالية وبسبب المخاوف من التعرض للإشعاع المحتمل ، أنشأ المسئولون الحكوميون منطقة حظر طيران بطول 18 ميلاً حول المنشأة ، ومساحة من الأرض داخل دائرة نصف قطرها 12.5 ميل (20 كم) حول المحطة .وتقدر المنطقة التي تم إخلائها ب 230 ميل مربع (600 كيلومتر مربع) ، وفي منطقة ثالثة تمتد إلى دائرة نصف قطرها 30 كم حول المصنع طُلب من السكان البقاء في منازلهم ، وفي نهاية المطاف غادر ما يقرب من 165000 شخص منازلهم والمنطقة ، ومع ظهور المزيد من المعلومات حول مسار التداعيات الحادثة .فقد أعلنت حكومة محافظة فوكوشيما أيضًا عن مساحة تبلغ 80 ميلاً مربعاً (207 كيلومتر مربع) من الأراضي شمال غرب منطقة الحظر الأولى ، وتم إدراجها في منطقة الحظر الأكبر التي زادت المساحة الإجمالية خارج المنطقة في حدود 311.5 ميل مربع 807 كيلو متر مربع .ومع ذلك اعتبارًا من أغسطس 2015م اعُتبرت بعض المناطق في المناطق التي تم استبعادها آمنة بما فيه الكفاية للمقيمين السابقين ، إما لزيارة منازلهم وشركاتهم لفترات قصيرة أو العودة إليها بشكل دائم ، وبحلول عام 2017م انخفضت منطقة الحظر إلى 143 ميلاً مربعاً (371 كيلومتراً مربعاً) .وعلى الرغم من هذه الأخبار الجيدة إلا أن قلة من الناس عادوا حتى الآن ، ومعظمهم كانوا من كبار السن ، وقد أفادت بعض الدراسات التي تبحث في آثار كارثة فوكوشيما النووية على الطيور والحشرات عن انخفاض عددهم في بعض الأنواع ، وكذلك انخفاضات في التنوع البيولوجي الإجمالي بين هذه المجموعات في مناطق الاستبعاد ، ومع ذلك وكما هو الحال في تشرنوبيل زادت بعض مجموعات الحيوانات البرية مثل الخنازير البرية .