بعض المواقف تضعنا على مفترق طريق ، وتغير حياتنا وتقلبها رأسًا على عقب ، خاصة إذا ما فارقنا الأعزاء على قلوبنا ، سواء أكانوا أزواجًا أو أبناء ، ولكن هل يظل من بقي على قيد الحياة ، مصدرًا للأمن والأمان بالنسبة لنا ؟ لعل هيثم لم يكن كذلك حقًا .يقول الراوي ويدعى محمد ، أنا شاب في الثانية والثلاثين من عمري ، أعمل بمركز مرموق بأحد المصارف العالمية ، وهكذا يمكنك أن تتخيل المستوى الاقتصادي الاجتماعي ، الذي أعايش به مع زوجتي وأبنائي ، عذرًا فأنا الآن أرمل ولم يبق لدي من الأبناء سوى ابنًا واحدًا فقط .منذ حوالي شهرين منصرمين ، كنت زوج لإنسانة جميلة وبالطبع كنا نمر بتلك المشاحنات ، التي تمثل جزء من توابل الزواج بوجه عام ، فكنا نظل على خلافات لعدة أيام مثلنا مثل أي زوجين ، ولكنني كنت بالطبع أحبها وأحب طفلاي الصغيران .وفي أحد الأيام هاتفتنا والدة زوجتي ، وأخبرتها بأنها مريضة بشدة ، وطلبت منها لبقاء برفقتها لبضعة أيام ، فما كان من زوجتي سوى أن ارتدت ملابسها في الواحدة بعد منتصف الليل ، وهبت واقفة وطلبت مني إيصالها هي والطفلين إلى والدتها ، بالطبع كنت مخطئًا ولن ألوم إلا نفسي ، حيث تركتها تقود السيارة في هذا الوقت ليلاً ، ومعها الطفلين وكما هو معتاد ، حادث أليم راحت زوجتي وأحد طفلاي ضحيته ، نتيجة إهمالي أنا ولم يعد لدي سوى طفلي الآخر ، هيثم ذو الثمانية أعوام ، والذي نجا بأعجوبة من هذا الحادث .مرت الأيام وصرت مسئولًا مسئولية كاملة عن هيثم ، أوقظه مبكرًا وأعد له الفطور وأصطحبه إلى مدرسته ، ثم أذهب إلى عملي ، وعقب انتهاء عملي أعود لأصطحبه من المدرسة ، ثم نذهب إلى المنزل وأصنع له الغداء ، يوم روتيني للغاية وهكذا صارت كل أيامي ، وأصبح هيثم منطويا بشدة ، ولكنني لاحظت أنه يرسم كثيرًا ، فلعل هذا الحادث قد جعله أكثر تمكنًا من الرسم .في إحدى الليالي كنت أجلس أمام هيثم ، وسألته عما يرسم كنوع من أنواع الدور الأبوي ، فنظر لي بعمق ثم قال ، لعلك لا ترغب حقًا في معرفة ما أرسم ، اندهشت من إجابته ، ثم اعتدلت مصرًا على رؤية ما رسمه الصغير ، فأعطاني كراسته التي يرسم بها ، وانتظر رأيي الذي ابتلعته فجأة بمجرد أن وقعت عيناي على ما رسمه ، كانت صورتي نعم هذا أنا ، داخل غرفتي معلق في سقف الغرفة مشنوقًا بحبل غليظ! ياله من خيال طفل ، ابتسم هيثم بسخرية ثم نهض من مكانه وذهب إلى غرفته ، هنا قلبت أوراق لرسم فوجدته قد رسم عرشين صورة ، كلهم لي وأنا مشنوق ! لا أفهم .نهضت خلف هيثم لأتحدث معه ، ولكنني عندما اقتربت من الغرفة سمعت أصواتًا داخل غرفته ، نعم أصواتًا وليس صوت واحد ، فاقتربت أرهف السمع ونظر من فتحة بسيطة في الباب ، فوجدته يجلس على فراشه ، ويرفع رأسه متحدثًا إلى صوت أعرفه جيدًا ، صوت أمه المتوفاة وأخيه الصغير! ولكن ما صدمني ليس كل ذلك ، بل ما سمعته فهم يخططون لقتلي .في اليوم التالي ، اصطحبت هيثم لمدرسته ، وحينما عدنا للمنزل وجدته ممسكًا بكراسة رسمه ، فسألته عما يرسم ، فأخبرني نهاية والدك وشقيقتك ، فتناولت الرسمة لأجد سيارة مقلوبة وتندلع بها النيران من كل اتجاه ، وقال لي هيثم إن لم تفعل ما آمرك به أنا وأمي ، فلن تنج بحياتك أنت أيضًا.عدت إلى منزلي وهاتفت والدي وشقيقتي ، وحذرتهما من القيادة ليلاً ، ثم أغلقت السماعة واستدرت لأجد زوجتي المتوفاة ، تقف مبتسمة وقالت لي أنت الآن تتحمل مسئولية عائلتك ، وليس كما فرطت بي وبأبنائك ، بكيت كما لم أبك من قبل وارتجيتها مسامحتي ، فقالت لي هيا اصعد على هذا المقعد وقم بشنق نفسك ، بدأت أنفذ أوامرها دون تفكير ، فأنا أرغب حقًا في اكتمال شملي مع أسرتي ، سألتها وماذا عن هيثم فأخبرتني سوف يلحق بنا قريبًا ، ولكن يجب عليك أولاً أن تروي ما حدث معنا ، في تلك الأوراق حتى يعرف الجميع ، أنك أتيت إلينا بكامل إرادتك .عقب أن انتهى رئيس التحقيقات الجنائية ، من قراءة تلك الأوراق رفع عينيه إلى الأب المكلوم وأخبره أن ابنه كان مضطرب عقليًا ، وليس في الأمر أية شبهة جنائية ، فقد أقر صديق طفولته بأنه لم يستطيع تصديق وفاة أسرته كاملة ، واختلق قصة ابنه تلك وتعايش مع الأمر أنه على قيد الحياة ، فأجاب الأب أن نعم ، ولأنه شعر بالقلق عقب مهاتفة ابنه له ولشقيقته ، انطلقا نحو المنزل ، ليكتشفا جثة ابنه معلق في سقف الغرفة ، وكان لابد لهم جميعًا من منعه ، ولكن حالت بينهم حالته الصحية .