• قال محمد بن سعد يذكر علي بن الحسين: كان ثقة مأمومًا، كثير الحديث، عاليًا رفيعًا ورعًا، وكان كثير الصدقة بالليل، ويقول: صدقة الليل تطفئ غضب الرب، وتنوِّر القلب والقبر، وتكشف عن العبد ظلمةَ يوم القيامة. • وقال محمد بن إسحاق: كان ناس بالمدينة يعيشون لا يدرون من أين يعيشون ومَن يعطيهم، فلمَّا مات علي بن الحسين فقدوا ذلك، فعرفوا أنه هو الذي كان يأتيهم في الليل بما يأتيهم به، ولما مات وجدوا في ظهره وأكتافه أثرَ حمل الجراب إلى بيوت الأرامل والمساكين في الليل، وقيل: إنه كان يعول أهل مائة بيت بالمدينة، ولا يدرون بذلك حتى مات. ودخل علي بن الحسين على محمد بن أسامة بن زيد يعوده، فبكى ابن أسامة، فقال له: ما يبكيك؟ قال: عليَّ دين، قال: وكم هو؟ قال: خمسة عشر ألف دينار - وفي رواية سبعة عشر ألف دينار - فقال: هي عليَّ. ونال منه رجلٌ يومًا، فجعل يتغافل عنه - يريه أنه لم يسمعه - فقال له الرجل: إياك أعني، فقال له: وعنك أغضي. وخرج يومًا من المسجد فسبَّه رجل، فانتدب الناس إليه، فقال: دعُوه، ثم أقبل عليه فقال: ما ستره الله عنك من عيوبنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها؟ فاستحيا الرجل، فألقى إليه خميصة كانت عليه، وأمر له بألف درهم، فكان الرجل بعد ذلك إذا رآه يقول: إنك من أولاد الأنبياء. واختصم عليُّ بن الحسين وحسن بن حسن - وكان بينهما منافسة - فنال منه حسن بن حسن وهو ساكت، فلما كان الليل ذهب علي بن الحسين إلى منزله فقال: يا ابن العم، إن كنتَ صادقًا يغفر الله لي، وإن كنتَ كاذبًا يغفر الله لك، والسلام عليكم، ثم رجع، فلحقه فصالحه. وقال علي بن الحسين لابنه: يا بُني، لا تصحب فاسقًا؛ فإنه يبيعك بأكلة وأقل منها، يطمع فيها ثم لا ينالها، ولا بخيلاً؛ فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه، ولا كذابًا؛ فإنه كالسراب، يقرب منك البعيد، ويباعد عنك القريب، ولا أحمق؛ فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، ولا قاطع رحم؛ فإنه ملعون في كتاب الله، قال - تعالى -: ? فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ? [محمد: 22، 23]. وروى المقبري قال: بعث المختار إلى علي بن الحسين بمائة ألف، فكَرِه أن يقبلها، وخاف أن يردَّها، فاحتبسها عنده، فلما قُتل المختار، كتب إلى عبدالملك بن مروان: إن المختار بعث إليَّ بمائة ألف، فكرهتُ أن أقبلها، وكرهت أن أردَّها، فابعث من يقبضها، فكتب إليه عبدالملك: يا ابن العم، خذها فقد طيبتُها لك، فقَبِلها. وقال علي بن الحسين: إني لأستحي من الله - عز وجل - أن أرى الأخ من إخواني فأسأل الله له الجنة وأبخل عليه بالدنيا، فإذا كان يوم القيامة قيل لي: فإذا كانتِ الجنة بيدك، كنتَ بها أبخلَ وأبخل وأبخل. وقال عبدالرزاق: سكبتْ جارية لعلي بن الحسين عليه ماء ليتوضأ، فسقط الإبريق من يدها على وجهه فشجَّه، فرفع رأسه إليها، فقالت الجارية: إن الله يقول: ? وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ?، قال: قد كظمتُ غيظي، قالت: ? وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ?، قال: عفا الله عنك، فقالت: ? وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ?، قال: أنت حرة لوجه الله.