قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية مؤرخا أحداث سنة سبع وثمانين ومائة وفيها تقضت الروم الصلح الذي كان بينهم وبين المسلمين, الذي كان عقده الرشيد بينه وبين ملكة الروم الملقبة أغسطه, وذلك ان الروم عزلوها, وملكوا عليها نقفور, وكان شجاعا, يقال انه من سلالة آل جفنة, فكتب نقفور الى الرشيد: من نقفور ملك الروم الى هارون ملك العرب, أما بعد, فان الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ ( طائر كبير ) وأقامت نفسها مقام البيذق ( الماشي على رجليه, ويعني هنا أحجار الشطرنج ) فحملت اليك من اموالها ما كنت حقيقا بحمل أمثاله اليها, وذلك من ضعف النساء وحمقهن, فاذا قرأت كتابي هذا فاردد الي ما حملته اليك من الأموال, وافتد نفسك به, والا فالسيف بيني وبينك. فلما قرأ هارون الرشيد كتابه أخذه الغضب الشديد, حتى لم يتمكن أحد أن ينظر اليه, ولا يستطيع مخاطبته, وأشفق عليه جلساؤه خوفا منه, ثم استدعى بدواة وكتب على ظهر الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم من هارون الرشيد, أمير المؤمنين, الى نقفور كلب الروم, قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة, والجواب ما تراه دون ما تسمعه, والسلام. ثم شخص من فوره, وسار حتى نزل باب هرقلة ففتحها, واصطفى ابنة ملكها, وغنم من الأموال شيئا كثيرا, وخرب وأحرق, فطلب نقفور منه الموادعة على خراج يؤديه اليه في كل سنة, فأجابه الرشيد الى ذلك, فلما رجع من غزوته وصار بالرقة, نقض الكافر العهد وخال الميثاق, وكان البرد قد اشتد جدا, فلم يقدر احد ان يجئ, فيخبر الرشيد بذلك, لخوفهم على أنفسهم البرد, حتى يخرج فصل الشتاء....
8817 مشاهدة